جميع الحراك السياسي في هذه الأيام العراقية المبهمة يدور في فلك حسم تعيين المناصب السيادية والشروع بتعيين حكومة جديدة، وهذا هو الحد العادي والروتيني، ولا أقول الدستوري لأنّ الدستور أول المتجاوز عليهم هنا، في إقرار المناصب التنفيذية. وهذا لا يهم الشارع العراقي من قريب او بعيد، ذلك ان ثورة تشرين ذات الدماء المقدسة اندلعت وأفرزت واقعاً عراقياً جديداً في الخارطة الشعبية والسياسية من أجل انتهاج خط التغيير وبناء عملية سياسية وطنية جديدة، وهذا هو المطلب الأساس الذي ينطوي على إصلاحات جذرية منها تعديل الدستور والانتقال الى دولة العدالة في اعلاء شأن المواطن بما يتناسب مع إمكانات الدولة الغنية بالنفط والموارد، وليس بالقياس الى حالها اليوم من المديونية والفساد والتردي الخدمي المتعدد.
الوعود التي صاحبت تصريحات المرشحين للمناصب السيادية كانت ببساطة مجرد وعود، لا تتوافر على أي ضمانات ذات عزم على الشروع بعقد اجتماعي جديد في البلاد يفرز عمليته السياسية الحقيقية بحسب التعديل الجديد للدستور العراقي.
اول مشروع لتغيير العملية السياسية مني بانتكاسة كبيرة افضت الى احتجاجات شعبية وقتال بالرصاص، وكان هو مشروع حكومة الأغلبية الوطنية الذي احبطته ارادات مصالحية متضامنة، قطعت الطريق على التجديد والتغيير. لذلك سوف تستمر العملية السياسية بكل عللها وامراضها وشخوصها وسياقاتها وفشلها في دورة أخرى وربما بعد ذلك حتى يصل النخر الى أعمق العظام بما يجعل الانهيار مفاجئا وسريعا ولا علاج له مطلقاً بسبب الفوضى التي ستكون البديل الجاهز.
المطالب المشروعة والجوهرية التي افرزتها ثورة تشرين او الشارع العراقي منذ سنوات عدة، لا تستطيع تلبيتها حكومة جديدة، لأنها ببساطة ستكون حكومة تنفيذية للعملية السياسية التي يسخط عليها الشعب، وبهذا المعنى سوف يجري تكريس مواضعات بالية قامت عليها العملية السياسية، وهذا سيدفع بالشارع الى الاحتقان والتفجر مجدداً، فضلا عن وجود تيار سياسي منظم وكبير هو التيار الصدري الذي قد يغير بتوقيتات الاجندة السياسية التي ستتوافق عليها القوى المنتفعة من التوافقات، وتذهب الأمور لخلط الأوراق سريعا. فمن أين يأتي التغيير في خضم هذا الاشتباك والركود والقصور؟