العلاقة بين الصحابة وآل البيت وعموم الصحابة وعلاقة الخلفاء الراشدين فيما بينهم علاقة متينة وطيدة قوية لا تشوبها ولا تعكرها اي شيء كما ذكرته كتب التاريخ .. العلامة السيد علي الأمين من كبار علماء الشيعة في لبنان المعتدلين في عصرنا الحديث فهو يقول: “لا شكَّ بأنَّ علاقة أهل البيت والصحابة لم تكن علاقة نفور، وعلاقة صراع، كالذي ورثناه عن أجيال سابقة من دون تمحيص ومن دون تحقيق، فالعلاقة التي كانت وصلت إلى حدّ المصاهرة وإلى حدّ كان يصلي بعضهم خلف البعض الآخر، وكان الإمام عليّ جنديًّا في جيش الإسلام بقيادة “أبي بكر” لمواجهة المرتدّين وكان الخليفة “عمر بن الخطاب” صهرًا للإمام علي فهو كان زوجًا لابنته، إذاً فإنَّ العلاقات معروفة بأنّها كانت علاقات مودة وصحابة وتعاون من أجل نشر الدعوة الاسلامية والمحافظة عليها، وهذا ما ذكرناه في كتابنا الذي نشر قبل مدة، والذي أكدنا فيه في فصل خاص على العلاقة بين أهل البيت وبين الصحابة في كتابنا “السنّة والشيعة أمة واحدة إسلام واحد واجتهادات متعددة” وذكرنا فيه في فصول عديدة أنَّ كثيرًا من الأمور التي ورثناها نحن ليس لها أصول في تاريخنا الإسلامي خصوصًا فيما يعود الى العلاقة الإسلامية والإيمانية التي كانت تجمع أهل البيت وأصحاب رسول الله” [ نقلا عن موقعه]. وسأعرج في موضوعي هذا
عن علاقة الخلفاء الراشدين بعضهم مع بعض، فأقول بعد التوكّل على الله:
١. علاقة عليّ مع أبي بكر رضي الله عنهما: لقد ورد في الأخبار الصحيحة أنّ عليًا بايع أبا بكر في أول الأمر، ولم يتأخر عنها كما ذكرت الأقوال المكذوبة، ومن الأقوال الصحيحة: ما جاء عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- الذي قال: ” فلما قعد أبو بكر ــ رضي الله عنه ــ على المنبر نظر في وجوه القوم، فلم ير عليًا، فسأل عنه، فقام أناس من الأنصار، فأتوا به، فقال أبو بكر: فسأله عن بيعته بالخلافة، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله ــ صلَّى الله عليه وسلَّم ــ، فبايعه”[ أخرجه الحاكم بسند صحيح باب فضائل أبي بكر، رقم 4457، والبيهقي (كتاب قتال أهل البغي: 8/ 143، وصحّح إسناده الحافظ ابن كثير]. ومن نصّ كلام له ــ عليه السلام ــ في وصف بيعته بالخلافة.229 – وقد تقدم مثله بألفاظ مختلفة وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها [التداك: الازدحام كأنّ كلّ واحد يدك الآخر أي يدقه. والهيم أي العطاش جمع هيماء، كعيناء وعين] حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء ووطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير[هدج: مشى مشية الضعيف، وهدج الظليم إذا مشى في ارتعاش والكعاب – كسحاب -: الجارية حين يبدو ثديها للنهود وهي الكاعبة وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب].[ ينظر نهج البلاغة: ص: 222. ولم يفارق الصديق في وقت من الأوقات صحبته، ولم ينقطع عن صلاة من الصلوات خلف أبي بكر”[البداية والنهاية: 8/ 92]. ووقف عليٌّ بعد ذلك بجوار أبي بكر الخليفة في حروبه ضد المرتدِّين، يسانده ويؤازره وينصحه، ويتجلَّى نصحه وصدقه يوم أراد الصدِّيق أن يخرج بنفسه لقتال المرتدِّين، فوقف له عليٌّ، وأخذ بزمام فرسه، وقال له:” إلى أين يا خليفة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ــ؟ أقول لك ما قال رسول الله يوم أحد:” شم سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا”. فرجع، وأمضى الجيش [أخرجه الدارقطني بسند صحيح، كما في البداية والنهاية:9/ 466]. وكان عليٌّ يعرف لأبي بكر فضله، فيقدِّمه على نفسه، وهذا بصريح قوله لا بقول أحد غيره، ومن ذلك: أن ابنه محمد بن الحنفية قال له يومًا: يا أبت، أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ــ ؟ قال: “أبو بكر”، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: ثُمَّ “عمر”. وقد ذكر صاحب نهج البلاغة الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى (359 هـ – 406 هـ) أحد علماء الشيعة في القرن الرابع الهجري، الذي يعدّه الشيعة أصدق كتاب لديهم. يقول: قال عليّ في مدح أبي بكر بعد وفاته: ” ذهب نقي الثوب، قليل العيب. أصاب خيرها، وسبق شرّها. أدى إلى الله طاعته، واتّقاه بحقه “[نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: ص: 350].
٢ : علاقة عليّ بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: لقد جعله عمر في خلافته من مجلس مشورته، وتراجع مرات عن رأيه، آخذا برأي عليّ، حينما تبيَّن له صحته، كان عليٌّ يعرف لعمر فضله، ويقدِّمه على نفسه، ولمّا سُئِلَ: أيُّ الناس خير بعد رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ــ؟ قال: “أبو بكر”، قِيل له: ثُمَّ مَنْ؟ قال: “ثُمَّ عمر”[ مرّ تخريجه سابقًا]. ولمَّا طُعن عمرــ رضي الله عنه ــ كان عليٌّ من أشدّ الناس حزنًا ، وثناءً عليه، يقول عبدالله بن عباس:” وُضِع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنَّفه الناس يدعون ويُثنون ويُصلُّون عليه، قبل أن يُرفع، وأنا فيهم، قال فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه فإذا هو عليّ، فترحَّم على عمر، وقال: ما خلَّفتُ أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أنْ يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أنّي كنت أكثر أسمع رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ــ يقول:” جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر” فإنْ كنت لأرجو، أو لأظن، أن يجعلك الله معهما”[متفق عليه]. وفي مُقابل ذلك: فإن عمر لما طُعن: رشَّح عليًّا للخلافة مع أهل الشورى، وذلك حينما قِيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلِفْ. فقال:” ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين تُوفِّي رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ــ وهو عنهم راض”. فسمَّى عليَّاً، وعُثمانَ، والزُّبيرَ، وطلحةَ، وسعداً، وعبدالرحمن.[أخرجه البخاري، رقم 1392]. وقال عليّ ــ رضي الله عنه ـ بالخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب كما ورد في نهج البلاغة:
228 – ومن كلام له عليه السلام:” لله بلاء فلان[ذكر الرضي أنّ فلان يقصد بها الخليفة عمر بن الخطاب]. فقد قوم الأود وداوى العمد. خلف الفتنة وأقام السنة. ذهب نقي الثوب، قليل العيب. أصاب خيرها وسبق شرّها.
أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه. رحل وتركهم في طرق متشعبة[وهذه العبارة يقصد بها الاختلاف]لا يهتدي فيها الضّال ولا يستيقن المهتدي .
٣ : عليٌ مع عُثمان بن عفَّان – رضي الله عنهما –: بعد مقتل عمر، انعقد مجلس الشورى الذي سمَّاه هو قبل رحيله، وتولَّى زمام الأمر: عبد الرحمن بن عوف، فعزل نفسه من الاختيار، وطاف على أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، واستمع إلى أهل الحلّ والعقد منهم، حتى رأى استقرار الجميع على عثمان بن عفان، فبايعه، وبايعه الجميع: المهاجرون، والأنصار، وأمراء الأجناد، والمسلمون، ومعهم علي بن أبي طالب [صحيح البخاري، رقم 7207، وفتح الباري: 13/ 195- 199]. وظلَّت لعليّ مكانته في مجلس الخليفة، فكان عثمان يستشيره مع من يستشير، ومن أعظم الأدلّة على ذلك: استشارته إيّاه في شأن جمع الناس على مصحف واحد، وقد كان عليٌّ يدافع عن عثمان في هذا الفعل، ويشيد بدوره فيه. وكان علي ــ رصي الله عنه ــ ينهي من يعيب على عثمان – رضي الله عنه – بذلك ويقول: يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا، فو الله ما فعل الذي فعل- أي في المصاحف – إلا عن ملأ منا جميعًا؛ أي الصحابة… والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل، وجاء في رواية أخرى عن عليّ قوله:” لما اختلف الناس في القرآن وبلغ ذلك عثمان جمعنا أصحاب رسول الله واستشارنا في جمع الناس على قراءة، فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، وقال بعد ذلك: “لو وليت الذي ولى، لصنعت مثل الذي صنع”.[أخرجها ابن أبي داود في المصاحف: ص: 97- 98، وصحَّح الحافظُ ابنُ حجرٍ إسناده في الفتح: 9/ 18]، ولمَّا وقعت الفتنة في نهاية خلافة عثمان، وحوصر من الخوارج، كان عليٌّ من أكثر الناس رغبة في الدفاع عنه، ولما منعه عثمان من ذلك، رغبة في صيانة دماء المسلمين، ولكنْ تسارعت الأحداث فوثب الغوغاء على عثمان وقتلوهـ ـ رضي الله عنه، وأرضاهـ ـ ووصل الخبر إلى الصحابة، وأكثرهم في المسجد، فذهبت عقولهم، وقال عليّ لأبنائه وأبناء إخوانه: كيف قتل عثمان وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن، وكان قد جرحه وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير وابن طلحة، لكنّ المتمردين صعدوا من الخلف على سطع غرفته، وأحدثوا فيها فتحة نزلوا منها وقتلوه ــ رضي الله عنه وأرضاه ــ وخرج عليّ غضبان إلى منزله، وهو يسترجع، أي: يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: تبًا لكم سائر الدهر، اللهم إنَّي أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالأت على قتله، وهكذا كان موقف على ـ رضي الله عنه ـ، نصحًا وشورى، سمعًا وطاعة، وقفة قوية بجانبه أثناء الفتنة، ومن أدفع الناس عنه، ولم يذكره بسوء قط، وحاول أن يصلح ويسدّ الخرق بين الخليفة والخارجين عليه، لكن الأمر فوق طاقته، وخارج إرادته، إنّها إرادة الله عزَّ وجلَّ أن يفوز أمير المؤمنين عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ بالشهادة [أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2363)، وذكره ابن حبان في الثقات:2/ 265، والذهبي في تاريخ الإسلام:3/ 460]. وكان عليٌّ يقول:” والله ما شاركتُ، وما قتلتُ، ولا أمرتُ، ولا رضيتُ” ــ يعني في قتل عثمان ــ [أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح رقم 2256]. فليخرس الكذابون والمرجفون والدجالون الذين يحاولون تمزيق الأمة وتشويه تاريخ الخلفاء الراشدين والصحابة وأزواج النبي أمهات المؤمنين الناصع. والله وليّ التوفيق.
المصادر
موقع العلامة علي الأمين
ابن حبان … الثقات
الذهبي . . تاريخ الإسلام
ابن شيبة
ابن داود .. المصاحف
ابن حجر.. الفتح
البخاري
نهج البلاغة .. صبحي الصالح
نهج البلاغة … الشريف الرضي محمد بن الحسين
البداية والنهاية .. ابن كثير
البيهقي ..