لقد دأبت سايكولوجية الإعلام المؤدلج وكوبوناتهِ الورقية الصفراء على مر السنين، حول تطويق الوعي الجمعيّ واثقالهِ بالاورام الثقافية المتعددة، تلك المافيات التجارية المتسترة بياقات الاعلام المنمقة، كانت تدرك تماماً ان الاعلام هو صوت من لا صوت له بل هو الضمير الذي يقود الذاكرة الجمعية نحو المهنية او الهاوية، لذلك صرنا جميعاً بمواجهةٍ متلفزة مؤدلجة ووقحة، لايخجل ان يكون فيها المُقدم قاضيًا أو محققًا او متبنياً لموقف شخصي مُسبق على حساب مهنيتهِ وضارباً عرض الحائط بكلِ مواثيق شرفه الإعلامي الذي يفترض ان يُلزمه بأبسط أبجديات الأعلام والحوار التلفزيوني، علماً ان اهم مرتكزات الإعلام المتلفز الحرّ هي الحيادية، الأمانة، المصداقية بعيدًا عن هوى النفس وميولها، لان خلاف ذلك تتحول الشاشة الى ادلجة مقيتة لسياسات حزبية لاعلاقة لها بالرسالة الإعلامية التي هي بالحقيقة عين الشعب الأمينة على مصالحه خصوصاً في هذه الظروف المعقدة التي وظف فيها البعض تلك المسؤولية لمنفعته الشخصية مستغلًا المساحات الأعلامية المتاحة ليكون بفترةٍ وجيزة نجماً ساطعا، علماً انني هنا لست مدافعاً بقدر كوني مشخصاً لاورامنا الشخصية التي تحولت بفضلِ ثقافة السب والشتم والعراك، من ندوب خفية الى اورام ظاهرية لاعلاقة لها بموضوعية الأعلام واحترام الضيف، لذلك اعتدت الاشارة لجوهر المعضلة الاخلاقية ومأزق القضية الاعلامية وقلت مراراً بأنه ليس سياسياً فقط علمًا ان الجانب السياسي هو انعكاس مُبطن لأزمة الأخلاق والمثل والقيم والمبادئ وكثيراً ما شاهدناه داخل المؤسسة الإعلامية كيف أثر وتأثر به باقِ أفراد المجتمع لان الأزمة شاملة ومنبثقة من قمة الهرم السلطوي بكل تشكيلاته نزولًا لابسط موظف في الدولة وكلاهما بطبيعة الحال نتاج المنظومة الأخلاقية في المجتمع، لذلك نجد أن الإعلام لم يعد ناقلاً اميناً للخبر ولم يعد مراعياً لأخلاقيات وشرف المهنة بل أصبح عاملاً مهماً في تسويق الحدث المفبرك والمُزيف لواقع الشعوب على حدِ قول ذراعِ هتلر القمعية “جوزيف غوبلز” الذي كان يقول: “أعطني إعلامنا بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي”.. حيث نجح صاحب الدعاية النازية الذي صور هتلر منقذاً للألمان وأحد أساطير الحرب النفسية وأبرز وأهم من أستثمر الإعلام لتحقيق مآربه بشعاره المعروف” أكذب أكذب حتى يصدقك الناس”.. فتحول الاعلام بفعلِ دهاءه الى مايشبه العصا السحرية التي يمسك بها الساحر فيتحكم بالمتلقي ويؤثر على عقله البسيط، عصا لها قوة طاغية وقادرة على خلق واقع آخر، واجباره لاشعورياً على تقبلها، وما اشبه اليوم بالامس حيث ان الواقع الاعلامي اليوم تحول الى مايشبه الدكاكين والمتاجرين ببورصات القنوات والصحف الكثيرة التي معظمها افتقد أخلاقيات العمل الإعلامي ومواثيق الشرف وقواعد السلوك المهنية.
بعد ان كنا نتأمل حينما يكون الكلام عن الإعلام يتبادر إلى الذهن إعلاماً يتسم بالجدية والحكمة والتبصر ولاشأن له تماماً بتجارة التدليس أو التلفيق أو الإساءة او الاسترزاق وبناء الامجاد على أكتاف الجهلاء لا العقلاء، الى جانب الاقلام الهابطة المصابة بفوبيا الشهرة المزيفة ومأجوريها، لقد اصبحت مقتنعاً بأن إعلاماً كهذا هو من يفرض نفسه على الناس بالكذب والدجل، ولايستحي ان يتسول شهرته بالتضليل وزرع الفتن والربحية، لان صلب المحنة العراقية والعربية ككل يتمحور في الأدوار الثلاثة التي يلعبها المقامرون في الشاشات وبصورة شنيعة وهي: التلقين والتضليل والتحريض.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *