من دون الحاجة الى تحقيقات على مستويات عالية، تكون مدعاة للإحراج والخشية من كسرتوافقات حزبية بنيت بماء العين، ومن دون اتاحة فرصة لفتح ساحة جديدة للتصفيات السياسية والمزايدات وتسويف الملفات ونكء جروح أخرى في الجسد العراقي المنهك بالطعنات، فإنّ الذين يقفون وراء سرقة مليارين ونصف المليار من الدولارات العائدة لأموال الضرائب والجمارك العراقية، هم اشخاص معروفون، متورطون بنهب مليارات سابقة، فضلا عن استخدامهم تلك الأموال المنهوبة في القتل وشراء الذمم والاصوات الانتخابية وتكميم الافواه تمويل تجارتهم وعقاراتهم في الخارج. ولا حاجة بنا لتخصيص موازنات جديدة لتمويل لجان التحقيق في قضية من بين قضايا عدة جرى اكتشاف المتورطين فيها بكل وضوح. وأول السارقين المشهود لهم بهدر أموال الدولة وكشف ظهر جيل او جيلين مقدماً، هو ذلك المعلم الذي قضى عامين يبحث عن تثبيت اجره على القطعة بعد ان يئس من التعيين على الملاك، مستهلكا مدخراته في دفعها الى أصحاب نفوذ وعدوه مراراً بشراء درجة وظيفية له ، فنهبوا فلوسه واختفوا. وكذلك يتحمل السرقات المليارية الباعة الجائلون في شارع الرشيد والشورجة وعلى رصيف الكتب في شارع المتنبي. ولعله سارق اخر يقف متوارياً في زاوية من الظلم والظلام، وقد بات راتبه التقاعدي لا يكفي لإطعام عائلته او شراء ادوية أمراض الشيخوخة له ولزوجته لثلاثة أيام في أحسن الاحوال. ولا يمكن انكار الأدوار الاجرامية في التواطؤ والتخطيط والسرقة لساكني العشوائيات والبيوت التي عافتها حتى وحوش البرية لخرابها. وهل يمكن اغفال مسؤولية التورط في النهب العام من قبل اطفال تسربوا من المدارس والدموع تفتق عيونهم وهم يرون اقرانهم يتعلمون ويلبسون جيدا، وهم يبيعون العلكة والمناديل الورقية عند تقاطعات الشوارع او انهم غارقون بزيت تشحيم المكائن في ورش عمل غير مجازة تستبيح الطفولة المضطرة لإعالة عوائل عاجزة. ولا يفوتني في هذه المناسبة الوطنية لمكافحة الفساد أن أوصي لجان التحقيقات، رجالا ونساءً، عدم التهاون في ملاحقة الخريجين منذ خمسة عشر عاماً ولا يجدون تعييناً وقد حاولوا التملص من جرائمهم بإخفاء ملامحهم بالشيب الذي غزا رؤوسهم وهم في الثلاثين من أعمارهم التي ضاعت.
هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون مع جرحى القوات المسلحة الذين طواهم النسيان، فلاحقوهم فرداً فرداً، واحذروا ان تنشغلوا بتتبع خيوط وهمية قد توصلكم، لا سامح الله، الى سياسيين كبار او متنفذين من وراء حُجب، تدل القرائن والشهادات وافادات شهود العيان على ارتكابهم جرائم النهب من المال العام، فتلك مؤامرة معدة جيداً من النظام البائد واعداء نظامنا الديمقراطي، تدفعكم للوقوع فيها أعداء العملية السياسية النزيهة وشخوصها الأطهار. فحذارِ، حذارِ يا أخوة عمليتنا السياسية العتيدة