ظن بعض الأخوة من “المفكرين والمحللين” بأن سكوت قائد التيار الصدري وأتباعه عن انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب السيد رئيس الجمهورية، وتكليفه ساعتها للسيد محمد شياع السوداني بتشكيل وزارة جديدة، مؤشر على نية السيد مقتدى الصدر قبول المقاعد الوزارية المعروضة عليه.
تجاهل الأخوة المنظرون هؤلاء أن التخلي عن 73 مقعداً نيابياً، بجانب أصوات المستقلين المتعاطفة مع طروحات السيد لا يمكن أن تختزل فيما بعد بـ6 حقائب وزارية أو أكثر، ذلك أن مثل هذه الصفقة تعني قص أجنحة التيار الصدري وتدجينه، من خلال تخليه عن صوته القوي في البرلمان من جهة، وقبوله مسؤولية الشراكة في وزارة لم تأتي كما دأب السيد يطالب، وهو تقويض لثقة الجماهير الغاضبة بالتيار.
لم يتقبلوا رأيي بأن السيد الذي رفض الإبقاء على كتلته الأكبر في البرلمان لا يمكن له أن يقبل بمقاعد وزارية مهما كان عددها، في ظل غياب المشتركات الأساس التي يراها، وهي الخروج من خانق المحاصصة بإعادة مأسسة الدولة على أسس المواطنة وكفاءة المتصدين للعمل العام ونزاهتهم.
وهذا يعني أن قيادة التيار الصدري وجماهيرها هي قوة معارضة مشرعة بوجه أية خطوات تفاقم حالة التداعي المستشرية قبل وزارة السيد الكاظمي وفي ظلها، برغم كل الشعارات التي طرحت، عدا فترتي السيدين حيدر العبادي الذي تصدى بدرجة واضحة لبعض معالم الفساد، وسار على دربه عادل عبد المهدي، الذي لم تمهله “ظروف” معقدة، مواصلة خططه لمحاربة الفساد بناء على ما حققه سلفه من خطوات بجانب توفير الأمن بعد دحر داعش بقيادة العبادي.
إن التيار الصدري يحرص في هذه المرحلة على “تنزيه” نفسه من أية مسؤولية عن أية أخطاء أو جرائم فساد مستجدة أو مستمرة وعدم كفاءة في إدارة ملفات الدولة الملحة، وفي مقدمتها تنمية مستدامة للاقتصاد الوطني تعالج بصيغ منتجة أزمة بطالة الشباب والبطالة المبطنة، وتحري كل منافذ الفاسدين ومساءلة المسؤولين بشفافية، بجانب قضايا ملحة أخرى لا تقل أهمية في مقدمتها مسألة موارد المياه وتداعي الزراعة ضمنها قضية البيئة المسمومة التي تقتلنا، والخلل المذهل في ميزان المدفوعات العراقي في مجال التبادل مع الجوار وبقية العالم، وقبل هذا كله وفي خضمه قضية سيادة العراق المهدورة من قبل الجوار، سواء في حدوده المتفق عليها مع إيران “الشقيقة” وعملياتها العسكرية المتصاعدة، أو مع تركيا الصديقة التي تستسهل عملياتها العسكرية أيضاً في عمق أراضينا.
وهكذا فأن الصدريين جاهزون في أية لحظة للتصعيد السلمي، الذي أتمنى ضبطه وفق المعايير الدستورية والقانونية، وهو ضبط قد يكون من معالمه التلاقح بين إرادة الاحتجاج الصدري والقوى المدنية الديمقراطية المعارضة لمسيرة السلطة الراهنة وفق تحالف يقوم على أساس الشراكة وليس تبعية الأخرين لقائد التيار الصدري، صياغة القرار المشترك بالتشاور وترجيح ما هو انضج وليس ما هو مجرد غاضب.
بالمقابل فأن رئيس الوزراء المكلف السيد محمد شجاع السوداني ليس بعيداً عن الحقائق المذكورة، لذلك فهو من البداية، قبل تكليفه، طرح منهاج عمل وبرنامج مجدول لما يحققه خلال المائة يوم الأولى من توليه السلطة. وهو على قدر من الشجاعة فأعلن بأنه لن يتعكز على أنه غير مسؤول عن أداء وزرائه، بل يتحمل وزر كل ما يجري في الوزارة، مما يعني، أو يفترض أنه لن يقبل توزير أية شخصية ما لم تكن منسجمة معه في رؤية المهام وأسلوب العمل، وليس مجرد شخصيات تحتل حصة طرف سياسي ما من الحقائب الوزارية.
وعليه، مقابل وضوء التيار الصدري بالتنصل من أية علاقة مع السلطة القائمة، فأن السوداني يراهن على الزمن وحسن الأداء في تخطي التوتر في العلاقة مع قوة رئيسة فائقة التنظيم، الصدريين، بجانب قوى الشباب والأحزاب المدنية الديمقراطية، ضمنها تيار الوفاق الوطني.
وإذا ما يظن البعض أنه بات من اليسير تقويض التيار الصدري وبقية المعارضة، بفعل الأغراء والترهيب، فأن هذا الوهم يصطدم بحقيقة أن العراق ما زال تحت بعض مفردات البند السابع، بجانب أن الجماهير التي خاضت انتفاضات 2011 و2014 و2019، باتت من الخبرة ما يصعب معه تخويفها أو حتى قمعها، بجانب حقيقة أن مجلس الأمن “متوجس” إلى ابعد الحدود من رموز السلطات القائمة، متعاطف إلى أبعد الحدود مع معاناة العراقيين ويأسهم من أمكانية التغيير ضمن الوضع الراهن. كما محاولة تفتيت أو أضعاف الصدريين بالأغراء لا قيمة له، لأن الولاء الصدري قائم على معايير الاستشهاد وطهارة اليد، بغض النظر عن وجود بعض الاستثناءات النادرة في صفوفه.
أنه تحدٍ كبير، فمن جهة مطالب التيار الصدري في تسكين معارضته الهادرة في آليات نشاطات جماهيرية سلمية أكثر رسوخاً لكسب المزيد من الرأي العام المحلي وتحريكه وتعظيم تعاطف “مجلس الأمن”، من ناحية أخرى فأن السوداني وحلفاءه ممن يعدون أنفسهم غير مسؤولين عن كل تركة الإخفاقات المتراكمة، مطالبين بخطوات فاعلة سريعة لتهدئة توتر الشارع وكسب بعض ثقته والبناء عليها.
التحدي كبير ..ومستقبل العراق رهين غضب شعبي هادر وعجز مؤسسي عن الأداء، فهل يطفئ الأداء المسؤول لأول رئيس وزراء من الداخل بوادر الحريق المرتقب، أم انه سيعجز ويتحول إلى جزء من أسباب قدحة انتفاضة قابلة لتخطي كل التوقعات؟؟؟