لا يمكن تجاهل التحذير الأخير الذي صدر عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية- فاو- في انّ العراق سيكون أكثر الدول تضرراً من التغير المناخي والجفاف، مع الدعوة الى تحديث طرق الزراعة والري معا، بما يتناسب مع التحديث التكنولوجي والترشيد بسبب نقص موارد المياه في دجلة والفرات. ذلك انّ دولاً متقدمة تكنولوجياً قرعت جرس الإنذار من الجفاف ونقص الموارد.
العراق ليس بلداً صناعياً أو تجارياً تسويقياً، وانما هو بلد زراعي استنادا الى ارثه التاريخي في الطبيعة حيث الأرض الخصبة والنهران العظيمان دجلة والفرات، ولكن هل يكفينا للاطمئنان هذا التوصيف الذي مضى عليه عدة عقود من دون تحديث، ومن دون ان نواجه الحقيقة المرة في انّ البلاد تستورد أصغر الخضراوات وأسهلها تكلفة في الزراعة؟
نقص المياه مشكلة يعاني منها العراق منذ اكثر من عقدين، وكرست الحروب المتكررة الإهمال في هذا الجانب، اذ ان اخر سد كبير للمياه مضى عليه اكثر من أربعة عقود ويعاني من مشاكل في اساساته ويعالج بطريقة ترقيعية باستمرار، ومن المفترض ان عمره الافتراضي آيل للنفاد، وان البدائل يجب ان تكون قد باشرنا بها منذ عقد من الزمن في اقل تقدير، كما لا نبغي ان نكتفي بالعويل والشكوى من تجاوزات دول الجوار، فبلدنا الاقدم والاعرق في بناء السدود والتعاطي مع مصادر المياه عبر التاريخ.
فاقمت حرب روسيا وأوكرانيا مشكلة نقص الحبوب لاسيما الحنطة والشعير والذرة، وانّ العراق يمتلك من الأراضي الصالحة لزراعة الحبوب بأنواعها ما يمكن ان يحوله بلداً مُصدراً على طول الخط، وليس مكتفيا ذاتياً . لكن ما ينقصنا الخطط الاستراتيجية التي تستثمر في جانب أساسي وعدم التشتت والضياع في هوامش زراعية لا نستطيع التقدم فيها.
هل درست الوزارة والأجهزة الزراعية السبل الناجزة لتثوير قطاع الحبوب بما ينقلنا الى مستوى أعلى في الإنتاج والتسويق، بفعل العوامل الطبيعية المتاحة وباستخدام تحديثات تكنولوجية مدعومة من أموال نفطنا؟ لم نسمع في مجلس النواب العراقي مناقشة أية خطط زراعية اقتصادية استراتيجية مرتبطة بتشريعات ساندة، وكأنّ تطوير الإنتاج وزيادة الدخل القومي أو تحقيق عناصر الامن الغذائي، من الغيبيات التي ترسلها السماء من دون تعب الشعوب والحكومات.
ما نشهده من افرازات حرب روسيا وأوكرانيا، وربّما روسيا والغرب لاحقاً، يجب أن يدفعنا الى التفكير الجدي بحقيقة وضعنا الغذائي والزراعي، وعدم ترك الامور على عواهنها، وما هو متاح لصنعه اليوم قد لا يكون متاحاً لنا غدا ، ولابدّ من انتهاز الفرصة في الوفرة المالية من أسعار النفط لتحديث الزراعة، من اجل انقاذ انفسنا أولاً وآخراً، وإلا سننفق أضعاف ما نجني من النفط من اجل توفير القوت لأكثر من أربعين مليوناً حين تنتقل الازمات الدولية الى مستوى اعلى من الخطورة، وما ذلك على المعطيات المتداولة ببعيد