وهذه‭ ‬زخّة‭ ‬حنين‭ ‬مذهلة‭ ‬أخذتني‭ ‬بشجنها‭ ‬اللذيذ‭ ‬صوب‭ ‬قصة‭ ‬قد‭ ‬تصلح‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬مائة‭ ‬قصة‭ ‬

وقصة‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬فصلاً‭ ‬جذاباً‭ ‬من‭ ‬روايةٍ‭ ‬قيد‭ ‬الإشتغال‭ ‬والبحث‭ ‬المضني‭ ‬عن‭ ‬نقطة‭ ‬المنتهى‭ ‬العظيم

بطل‭ ‬القصة‭ ‬أو‭ ‬الحكاية‭ ‬قبل‭ ‬تجنيسها‭ ‬الأدبي‭ ‬والفني‭ ‬هو‭ ‬الشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الربيعي‭ ‬وأنا

والشاعر‭ ‬محمد‭ ‬تركي‭ ‬النصار‭ ‬والروائي‭ ‬الأردني‭ ‬الراحل‭ ‬نازك‭ ‬ضمرة‭ .‬

وقعت‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬واحدٍ‭ ‬من‭ ‬أقسى‭ ‬شتاءات‭ ‬العاصمة‭ ‬الجميلة‭ ‬عمّان‭ ‬في‭ ‬أوشال‭ ‬سنة‭ ‬الميلاد

المرقمة‭ ‬ألف‭ ‬وتسعمائة‭ ‬وأربعة‭ ‬وتسعون‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أنا‭ ‬ومحمد‭ ‬لم‭ ‬ننفض‭ ‬بعد‭ ‬غبار‭ ‬بغداد

العزيزة‭ ‬التي‭ ‬فارقناها‭ ‬مكرهين‭ ‬،‭ ‬وحططنا‭ ‬بربة‭ ‬عمّون‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬تحت‭ ‬اليمين‭ ‬سوى‭ ‬مثقال‭ ‬مال

قليل‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يسد‭ ‬نومنا‭ ‬بفندق‭ ‬رخيص‭ ‬وطعام‭ ‬بطن‭ ‬لمدة‭ ‬اسبوع‭ . ‬

في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬ظهيرات‭ ‬القلق‭ ‬دلف‭ ‬الى‭ ‬مقهى‭ ‬العاصمة‭ ‬وسط‭ ‬البلد‭ ‬الشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الربيعي

وحدثنا‭ ‬عن‭ ‬غرفة‭ ‬جميلة‭ ‬كان‭ ‬يسكنها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬لصاحبها‭ ‬القاص‭ ‬نازك‭ ‬ضمرة‭ ‬قرشاً

واحداً‭ ‬،‭ ‬وزاد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الى‭ ‬تركها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توفرت‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬رحلة‭ ‬نهائية‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬اليمن

السعيد‭ ‬،‭ ‬وبنفس‭ ‬الليلة‭ ‬دعانا‭ ‬الى‭ ‬هناك‭ ‬فأكلنا‭ ‬وشربنا‭ ‬وضحكنا‭ ‬وكتبنا‭ ‬وأظننا‭ ‬بكينا‭ ‬من‭ ‬فرط

الحنين‭ ‬وتقليب‭ ‬الذكريات‭ ‬على‭ ‬مقلاة‭ ‬الأيام‭ ‬البعيدة‭ ‬الساخنة‭ . ‬

بعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬حدث‭ ‬الأمر‭ ‬وحملنا‭ ‬نازك‭ ‬ضمرة‭ ‬وحقائبنا‭ ‬من‭ ‬المقهى‭ ‬وأسكننا‭ ‬الغرفة

التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ضمن‭ ‬الخارطة‭ ‬الجوهرية‭ ‬لبيته‭ ‬الكبير‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مزروعة‭ ‬ببطن‭ ‬كراج‭ ‬سيارته

المسيوبيشي‭ ‬العتيقة‭ ‬،‭ ‬وأغلب‭ ‬الظن‭ ‬أنه‭ ‬صنعها‭ ‬لمبيت‭ ‬حارس‭ ‬قد‭ ‬يكلفه‭ ‬بحراسة‭ ‬البيت‭ ‬وغسل‭ ‬السيارة‭ ‬العزيزة‭ ‬وري‭ ‬الحديقة‭ ‬أثناء‭ ‬سفر‭ ‬أبي‭ ‬خالد‭ ‬الطويل‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الهجرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مطالع‭ ‬تسعينيات‭ ‬الحصار‭ ‬العراقي‭ ‬الأسود‭ ‬قد‭ ‬حولتها‭ ‬الى‭ ‬سكن‭ ‬وملاذ‭ ‬آمن‭ ‬ممكن‭ ‬لثلة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الوسط‭ ‬الأدبي‭ ‬العراقي‭ ‬،‭ ‬فاستضافت‭ ‬وهي‭ ‬تشبه‭ ‬زنزانة‭ ‬محسّنة‭ ‬الناقد‭ ‬ياسين‭ ‬النصير‭ ‬والشاعر‭ ‬عدنان‭ ‬الصائغ‭ ‬ثم‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الربيعي‭ ‬الذي‭ ‬سيتخلى‭ ‬عنها‭ ‬فأسكنها‭ ‬وصاحبي‭ ‬النصار‭ ‬لنحو‭ ‬سنة

وكان‭ ‬من‭ ‬ضيوفنا‭ ‬فيها‭ ‬عبد‭ ‬الستار‭ ‬ناصر‭ ‬وعواد‭ ‬علي‭ ‬وعلي‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭ ‬وكمال‭ ‬العبدلي‭ ‬وحازم

مبيضين‭ ‬والمسرحي‭ ‬صالح‭ ‬البدري‭ ‬وأخي‭ ‬جمعة‭ ‬،‭ ‬وآخرون‭ ‬بدأوا‭ ‬يخرّون‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬مثل‭ ‬ناقوط‭ ‬الماء‭ . ‬

في‭ ‬الغرفة‭ ‬سرير‭ ‬واحد‭ ‬استوطنه‭ ‬محمد‭ ‬بوصفه‭ ‬شاعراً‭ ‬،‭ ‬وفرشة‭ ‬قطن‭ ‬رائعة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬حصتي

بوصفي‭ ‬كاتب‭ ‬قصة‭ ‬والشعر‭ ‬هنا‭ ‬أعلى‭ ‬منزلةً‭ ‬من‭ ‬القص‭ ‬،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مكتوبي‭ ‬هذا‭ ‬منشوراً‭ ‬على

حائط‭ ‬الفيسبوك‭ ‬،‭ ‬لأنهيته‭ ‬بضغطة‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬حرف‭ ‬الهاء‭ ‬نشداناً‭ ‬لضحكٍ‭ ‬كثير‭ . ‬

في‭ ‬يوم‭ ‬مشمس‭ ‬رائق‭ ‬قررت‭ ‬وصاحبي‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بتنظيف‭ ‬الغرفة‭ ‬ودحائسها‭ ‬وجدرانها‭ ‬التي‭ ‬ما

زال‭ ‬الناظر‭ ‬اليها‭ ‬يستطيع‭ ‬رؤية‭ ‬بقايا‭ ‬لوحات‭ ‬وكتابات‭ ‬صنعها‭ ‬الناقد‭ ‬ياسين‭ ‬النصير‭ ‬،‭ ‬فأخرجنا‭ ‬السرير‭ ‬والكرسي‭ ‬الوحيد‭ ‬والفراش‭ ‬خاصتي‭ ‬حتى‭ ‬عثرنا‭ ‬على‭ ‬الكنز‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على

شكل‭ ‬كارتونة‭ ‬ثقيلة‭ ‬كانت‭ ‬تنام‭ ‬تحت‭ ‬سرير‭ ‬محمد‭ ‬،‭ ‬ولما‭ ‬فتحنا‭ ‬فمها‭ ‬وجدنا‭ ‬حشداً‭ ‬من‭ ‬الكتب

والمجلات‭ ‬ومئات‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬والمظاريف‭ ‬والمعايدات‭ ‬،‭ ‬وقصاصات‭ ‬ورق‭ ‬أصفر‭ ‬مكتظة

بخربشات‭ ‬وحروف‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬صاحبنا‭ ‬المسافر‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬،‭ ‬ولأن‭ ‬الغرفة‭ ‬الزنزانة

اللذيذة‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لتتسع‭ ‬لهكذا‭ ‬بطر‭ ‬،‭ ‬فلقد‭ ‬تركنا‭ ‬الكارتونة‭ ‬بباب‭ ‬الكراج‭ ‬المسقف‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬رابعنا

وصاحب‭ ‬الأمر‭ ‬نازك‭ ‬ضمرة‭ ‬من‭ ‬رحلته‭ ‬الموسمية‭ ‬،‭ ‬فيشيل‭ ‬عنا‭ ‬هذا‭ ‬الحمل‭ ‬وبعض‭ ‬الزوائد‭ . ‬

لم‭ ‬يحدث‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬انتوينا‭ ‬على‭ ‬فعله‭ ‬وبمرور‭ ‬أيام‭ ‬هي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬أصابع‭ ‬يدي‭ ‬وقصائد‭ ‬صاحبي‭ ‬،‭ ‬اختفت‭ ‬الكارتونة‭ ‬بكتبها‭ ‬ومكاتيبها‭ ‬ورسائلها‭ ‬،‭ ‬وربما‭ ‬نامت‭ ‬ليلتها‭ ‬بحاوية‭ ‬قمامة‭ ‬جائعة‭ . ‬

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *