جميعا نحن حائرون ، وضع سياسي ضعيف مرتبك ، التناحر ووجهات النظر والمواقف الانتقائية ، سيد الحدث اليومي ، الجميع يتحدث باسم الشعب ، والكل يأكل ما بقي لهذا الشعب ، الكل يتحدث بالاستقلالية وقوة الانتماء ، في حين بات شطي دجلة والفرات ومعهما نهر ديالى يشكون من العطش ، جيران لا يحترمون حق الجيرة ، والكثير منا ( يعوج ) لسانه ليعبر عن قربه من اللغتين الفارسية والتركية ، لكنهم غير قادرين الحديث عن حقوقنا المائية ، وأن تحدثوا فهم يتركون قوة العراق تحت طاولاتهم .
في بلادي فارس والاناضول يتحدثون باعتزاز عن انتماءاتهم الوطنية والقومية ، ونحن عندما يبدأ الحديث بحضورنا ، ننسى الانتماء ، ونتحدث باسم ( الامة ) فأي أمة تلك ..؟ فعندما تزور الامام الرضا في المشهد بايران تتيه من سعة المسافة وإلغاء إشارات الدلالة من كل اللغات ماعدا اللغة الفارسية ، وعندما تزور الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام ، تضيع من دلالات اللغة الفارسية ، فأي وطن هذا الذي يتنكر لقوميته ووطنيته ، ويتمسك بالأمة ، اسماً رمادياً لا دلالة له ، سوى الرغبة بتوزيع الانتماءات .
بالأمس اتفق الكرد على مرشح التسوية ، والشيعة لازالوا على جبهتي التناقض ، ولكن لابد من التأكيد إن الاختلافات بين الكرد والتناقضات بين الشيعة والارهاصات بين السنة ، هكذا اجبرونا على هذه التسميات التي ينحصر دورها بإلغاء الوطنية من قاموسنا ، نقول إن هذه الاختلافات هي مقدمة طبيعية لتفكيك نظام الحصص ، والاجهاز على التوافقية في توزيع المناصب الحكومية .
حكومة وطنية
لاشك بأن دعوة السيد الصدر لنظام وحكومة وطنية خالية من التوزيعات الطائفية والعرقية امراً متقدما على الاخرين ، لكن هذه الدعوة لم تأخذ بعين الاعتبار تركيبة النظام والأطراف المستفيدة من تلك التركيبة ، حتى الذين جاءوا مع الصدر هو في سياق الربح وليس على أساس البرنامج الوطني المتوسط والبعيد ، لذك كان من المفترض التعامل مع هذه التركيبة التي ثبتها ( بريمر ) بالسياسة تكتيكا واهداف ، أي إذا تحقق ردم جزءاً مهماً من الاصطفافات المذهبية العرقية ، يكون الجميع على الطريق الصحيح ، فليس من المعقول أن يطرح مشروعا سياسيا بإلغاء الجميع ، أو رفض الجميع ، حتى اشترك في السلطة أو اقبل على السلطة ، لا يجوز ذلك في العمل السياسي المشترك ، اللهم ممكن تحقيقه عبر انقلاب عسكري أو ثورة عارمة يشترك فيها الشعب بكافة فصائله الوطنية ومكوناته الاجتماعية .
المهم لكي نغادر سنوات الحيرة ، باتجاه العمل الواضح والمواقف الثابتة ، لابد من الشروع بإعادة بناء الجسور بين الشعب الذي غادر مقتنعا مواقف وسياسات ودعوات السلطة ، وبين السلطة في العودة على تحقيق مصالح الشعب ووقف الاستنزاف الدامي للأموال العامة وترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة وفضح ومحاسبة النهابين والفاسدين أياً كانت مناصبهم وهوياتهم لكي يقتنع الشعب بأن هذه الحكومة وان كان زمنها محدوداً فهي جادة بتسيير القطار على سكته .لقد تحدث السيد السوداني بعد تكليفه المنصب الأول لرئاسة الوزراء ، عن إمكانية الشروع بحكومة قوية خدمية منتجة ، تعمل منذ الخطوة الأولى على معالجة أزمات البنى التحتية والصحة والبطالة والتعليم والفقر وقضايا المجتمع الملحة ، أنه طرح قضايا الناس وكيفية حلها ، ولكن كيف يمكن الخلاص من التدخلات الحزبية والكتلوية في فرض اجندتها ، سيما ونحن شاهدنا ظهور شخصيات واطراف كانت تحكم وفشلت بشكل واضح ، وكانت أيضا سببا في انفتاح شهية الفاسدين ، والان تتحدث عن العهد الجديد والعمل الجاد.؟.
نحن ندرك بأن المرحلة صعبة ، والتدخلات الخارجية بالشأن العراقي لا حصر لها، والنفس الانتهازي في كل مكان بات يثير التقزز ، لكن ذلك لا يمنع الوزير الأول الشجاع من تحديد مسارات مسيرته ووقف التداعيات والمضي بمرحلة الحساب والبناء واللجوء للشعب وقواه الوطنية أمام الانسدادات التي تفرضها القوى السياسية، بدون ذلك فأنه سيترك لعنة الشعب على هكذا نظام ، وبالتالي يخسر سنوات العمر .