اكتب إليك، وانا لا أعلم هل ستقرأ كلماتي أم لا، ولكني أدرك ــ جازماً ــ صعوبة المهمة التي تتقلدها في وقت حرج للغاية.
يعلمنا التاريخ، يا دولة الرئيس، أن هناك أحداثاً تمر على الأمم والمجتمعات مرور الكرام، وبالمقابل هناك تحولات كبرى لا تعود الدول والأوطان بعدها كما كانت قبلها، وقد مرّ على العراق في 2003 مثلها، وها هو يمر مرة اخرى بتحول كبير جديد، ذلك ان مصيره ومستقبله وكيانه كله اليوم على المحك… والنظام السياسي بمجمله قد وصل لأدنى مستويات فاعليته، والمهمة الملقاة بعاتقك والشركاء انقاذ الوطن بأكمله من الانهيار. ويعلمنا التاريخ كذلك، أن ربان السفينة وهي تمخر عباب الأمواج العاتية تكن مهمته أصعب واكثر تعقيداً، فما يحيط به يوجب عليه الدراسة والتأني والدقة قبل اتخاذ القرارات التي تتعلق بها مصائر الناس، وليس هناك أغلى منها وسط اقتراب الطوفان.
لذلك، فنجاحك مرهون في هذه اللحظة الفارقة بالالتزام بأمور من الواجب الانتباه إليها، وأخرى من الضروري الابتعاد عنها، والتأمل في كليهما مطلوب ولازم:
من المهم التحلي بشجاعة وحكمة القرار، فكثرة الحيتان التي تكاد تفترس العراق لا ينفع معها تردد ولا مداراة. وترميم هوية الوطن الجامعة أولوية لا تراجع عنها، فاعمل على تذويب الفوارق بين المكونات، لتنصهر جميعها في بوتقة العراق، واجعل منح الحق سبيلاً لقوة الوطن وحمايته من التفكك والضعف والضياع.
وابتعد عن كلٍ متزلف متملق، ومدّع كذوب، فهما أساس الخراب، وعليك بالبعيد الذي يصدقك فعله قبل قوله، والمستشار الأمين الذي يمنحك هداياه وعطاياه بدون انتظار ثمن، وهل هناك ثمن أغلى من سلامة العراق؟!! واسند المسؤولية لأهلها، من صاحب اختصاص غمره حب الوطن ونكران الذات، وابتعد كل البعد عمن خالفت سيرته المكتوبة فعله، فكان رصيده من الواقع هباء!. ولا تردد في مشاورة حكيم زاد الزمن من رجاحة عقله، ولا تستصغر قول لعل فيه نجاحك، واسمع لكل صاحب نبض أضناه جرح الوطن وأبكاه! وابدأ يومك وانت تحمل نية الإصلاح في قلبك، ولا تنظر وراءك، ولا تجعل النتائج والتحديات والصعوبات تعوق مسيرتك، فإنما الأعمال بالنيات، ولتبقي عيناك تراقب شؤون البلد ليل نهار، واجعل إشراقة يومك ومنتهاه دعاءٌ مواطن ارجعت له حقه، وناله العدل بعد عقود الظلم والجفاء. وتلمس صواب عملك من يد فلاح يجوب الطرقات بحثاً عن لقمة العيش، فكلما خفت جروحها ولمست الراحة فيها، كان الدليل على التوفيق والنجاح! وبالغ بالاهتمام بخمسٍ: بالطفل فهو غرس الغد، وبالشباب فهم عماد الحاضر، وبالمرأة فهي ركن المجتمع الأساس وحصنه الحصين، وبالتعليم والفكر ففيهما الحصانة والضمانة، ودون ان تنسى في طريقك مواساة ذوي المفقودين والشهداء. ولتكن قضبان السجون مصنوعة من معدن العدالة، واطلق حمائم السلام لتتنفس الجموع حريتها، فهي الوحيدة التي تغسل أنفسنا وتعيد ابتسامتها التي غابت عنها طويلاً. وامدد يدك لكل راغب ومنصف، ولتجعل مصلحة الوطن العليا هي الأصل في العمل وهي الغالبة على كل ما سواه، وليكن سلاحك النقاء في ارض الشقاء، ولا تفزعك الحقائق، أبداً، بل اجعلها نقطة التصحيح والانطلاق. واعلم يقيناً.. هدانا الله وإياك: ان الانسان يحفر اسمه بعمله في هذه الدنيا، فليكن اسمك مطرزاً بخطٍ كوفي بديع!
وان طريق الاصلاح سيظل طويلاً، فيكفيك ان تسجل اولى خطواته باسمك، وان تضع على مسار التغيير بصمتك… ولك في الختام دعاء وسلام.