هل الحنين ، او الذهول ، او حالة تقدم العمر ، او الشعور بالعيش بالمكان الخطأ ، هو الذي جعلني اذرف دمعتي امس ، وهي العصية ، اثناء متابعتي لأحدى الفضائيات وهي تعرض فلما وثائقيا عن شارع الرشيد ، خلال سني عنفوانه ، تم تصويره في التسعينيات من القرن المنصرم .. كان الشارع يمثل حيوية ، افتقدها لاحقاً ، رغم ان العراق كان يعاني من الحصار ، لكن النظافة والنظام والحرص على التراث ، كان ظاهرا بشكل واضح .. فمن غير حال العراقيين من الرقيّ الى الفوضى .. من ؟
طافت بنا الكاميرا ، بعفوية ، في ازقة الشارع ، وتجولت بنا بين ذكريات ” مكتبة مكنزي ” احدى حواضر العراق الثقافية ، وبين يافطة الخياط ” احمد خماس ” الذي استبدلناه بـ (خرق) البدلات الصينية ، والمجوهراتي ” زهرون ” وذهبه ، بلمعانه الاصيل ، واستعضنا عنه بالذهب البرازيلي ، رخيص الثمن .
واخذنا معه مخرج الفلم جاسم الذهبي الى سوق الصفارين ، وركزت كامرته على منتجات وحرفية هذه السوق ، عالية الذوق ، لكن الزمن الحالي ، ردم هذه السوق وحولها الى دكاكين ، فقيرة تعرض السائد من المنتوجات المستوردة ..
ذرفت دمعة ، ولحقتها دمعات وانا اشاهد عيادات الاطباء ومحلات ومعارض شارع الرشيد بكل رزانتها ورصانتها وديكوراتها واضويتها في ساعة متأخرة من الليل ، وعلى محيا اصحابها بسمة الود والامل ، وفي ثنايا حديث احد الذين التقتهم الكاميرا ، تحس معنى الحبور والبشر ، فقال هذا المواطن ، وهو في كامل اناقته إنه مدعو الى حفل زفاف ، سيذهب اليه بعد قليل ، وكان حديثه في وقت تجاوز الساعة التاسعة مساء …. !
هذا الشارع ، بهكذا حيوية كان يعج بالناس والحركة ، لكنه، تحول الان الى شارع خال من الحضارة ، تملؤه العربات التي تجرها الحيوانات ، وباعة الفلافل ، والمعلبات منتهية الصلاحية .. شارع يغمض عينيه بعد الظهر .
قلبي معك شارع الرشيد ، فقد البسناك ثوبا ممزقا محملا بغبار لا تستحقه .
————————————-

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *