الانصاف – هو المضمون الحقيقي للمساواة والعدالة والسبيل القويم الذي يهدي الى البر والاحسان و العمل الصالح .
الانصاف هو الرؤية الموضوعية والواقعية الشفافة المتوازنة مع المنطق والعقل في التقدير والتقويم على اسس علمية ومنهجية وانسانية من غير تحيز او تميز او مجاملة في بيان الحقيقة وملابسات الامور وتعقيدات المسائل .
هو السبيل القويم لاعطاء الانسان حقه الطبيعي من غير نقصان وفقا للقانون والشرع والعرف ورفع الغبن الواقع عليه وتعويض خسارته كاملة غير منقوصة ولا زيادة عنها (لا ضرر ولا ضرار) .
والانصاف مفهوم عام وشامل يشكل المادة الاساسية في كافة انواع العلاقات العامة وعليه تستقيم الامور وتتوازن المسؤوليات وتتحدد شروط ومستلزمات الواجبات والمهمات وفقا للقانون والقيم الانسانية والشرعية بانصاف من غير اجحاف او ظلم او انتهاك حقوق اوحريات اومعتقدات اومطالب حياتية مشروعة لكل فرد او فئة او جماعة كانت .
لابد ان يكون مبدئ (الانصاف ) مادة اساسية مترسخة في ذهن وعقول الناس وفي وعيهم وادراكهم لقيم ومعاني الانسانية والاخلاقية .حتى يمكن من ان ينصف كل واحدا منهم الاخر في تعامله وعلاقاته في اي مسالة او مشكلة وفي كافة نواحي الحياة , يحمل (الانصاف ) معنى التعاون على البر والتقوى والاحسان والعمل الصالح لضمان الاستقرار والاطمئنان بين الناس مالم تستطع اجهزة الدولة ان تحققه مهما امتلكت من قوة السلطة واعداد اجهزتها الامنية ومؤسساتها الرسمية الا بوحدة وتماسك ابناء ومكونات المجتمع وحبهم ورغبتهم في التعاون والعمل الجاد والمخلص فيما بينهم ومع سلطات الدولة المختلفة وفقا لقيم (الانصاف ) الانسانية .
(الانصاف في القضايا الجنائية )
ان مبدئ (الانصاف) ذات اهمية بالغة في معالجة القضايا التي تعرض امام المحاكم المختصة بمختلف اختصاصاتها ودرجاتها وانواعها وصلاحياتها القانونية والادارية .ويتوقف ذلك على مدى الاهتمام بالنظر في الخصومات والمنازعات وعلى مدى جسامتها وتاثيراتها المادية والمعنوية على اطراف ذوي العلاقة بها , بحيادية واضحة ومساواة في التعامل بينهم في كافة المراحل حتى حسمها واصدار القرارات الازمة بصددها .
بما انها تتعلق بحياة وامن المواطنين لها خصوصية واضحة من الاهتمام في الدساتير والمواثيق الدولية والقوانين الجنائية الخاصة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي لحماية حقوق وحريات المواطنين وحياتهم من اي خطر او انتهاك لها .
ومن اهم تلك المبادئ والقواعد الدستوري والقانونية الواردة في الدستور العراقي لسنة -2005 –
كما ورد في المادة -14- منه – (- لكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفقا للقانون . وبناءا على قرار صادر من جهة قضائية مختصة ) وهذا يعني ضرورة اتخاذ ما يلزم من الاهتمام الكبير لحياة الانسان وتامين سيل حمايتها من اي اعتداء اواذى اوانتهاك لحرمتها لتحقيق الانصاف المطلوب من حق كل فرد ان يعيش بحرية وامن وبكرامة تتكفلها الدولة اولا والمجتمع ثانيا .
وكذلك كما ورد في التادة -17-منه
(اولا- لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين والاداب العامة – ثانيا- حرمة المساكن مصونة , لا يجوز دخولها او تفنيشها او التعرض لها الا بقرار قضائي ووفقا للقانون –.
كما ورد في المادة -19- منه
(-ثالثا- التقاضي حق مصون ومكفول للجميع .
– رابعا – حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة .
خامسا – المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة ,ولا يحاكم المتهم عن ذات التهمة مرة اخرى بعد الافراج عنه الا اذا ظهرت ادلة جديدة .
سادسا- ولكل فرد الحق في ان يعامل معاملةعادلة في الاجراءات القضائية والادارية .ثامنا العقوبة شخصية .
حادي عشر – تنتدب المحكمة محاميا للدفاع عن المتهم بجناية او جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه , وعلى نفقة الدولة .
ثالث عشر – تعرض اوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال اربعة وعشرين ساعة من حين القبض على التهم , ولا يجوزتمديدها الا مرة واحدة وللمدة ذاتها .
وفي مجال الحريات
جاء في المادة 37-من الدستور العراقي – (اولا – أ- حرية الانسان وكرامته مصونة –
ب- لا يجوز توقيف احد او التحقيق معه الا بموجب قرار قضائي .
ج- يحرم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية , ولا عبرة باي اعتراف انتزع بالاكراه او التهديداو التعذيب , وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفقا للقانون .
ثانيا- تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه القكري ةالسياسية والديني .
يتضح مما ورد في القواعد القانونية اعلاه مدى الاهتمام الواضح في حماية حقوق وحريات المواطن والزام الدولة بكافة مؤسساتها بان تتكفل باتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لتطبيق تلك المبادئ الخاصة بحقوق وحريات كل فرد وتامين الحياة الحرة السعيدة والامن والاستقرار له والعيش بكرامة من غير اكراه او تهديد او استغلال او ضغط ايا كان نوعه او مصدره وبذلك فهي قد انصفت كل فرد بهذه القواعد القانونية والدستورية .
ولكن كيف يمكن تحقيقها على ارض الواقع كحقيقة ملموسة من قبل كل فرد من ابناء الشعب عامة .وفقا للقانون وقيم العدالة والانسانية .
من مقتضيات قيم ومعنى الانصاف – يجب ان يعلم كل مسؤول انه لا يجوز توقيف اي شخص الا بموجب امر قضائي او استدعائه والتحقيق معه مما يعني من وجوب احترام حرية الانسان وعدم المساس بكرامته وسمعته التي هي راسماله في حياته الاجتماعية .ومن ضرورة احترام وتقدير حرمة المساكن عند تفتيشها الا بموجب قرار قضائي خاص بالسماح بدخولها وفقا للضوابط والاجراءات الاصولية,وانصافها قائم على اساس حرمتها القانونية والشرعية وعلى القيمة الاخلاقية الاجتماعية باحترام قدسيتها وحرمتها .
ووجوب مراعاة حق الدفاع الشرعي عن النفس وتوفيرالتسهيلات اللازمة للمتهم لتقديم من الادلة المادية والشهود لنفي التهمة الموجهة له او مناقشة الشهود حسب طلبه , ذلك بانصافه بحقه المشروع للدفاع عن نفسه وفقا للقانون وقيم العدالة . وغيرها من الضوابط القانونية المذكور اعلاه ,الراعية لحقوق وحياة وحرية وامن كل فرد من غير تمييز او استثناءوالالتزام بها باعلى قدر من المسؤولية .
يتطلب ذلك الشعور بالمسؤولية في اداء الواجبات المطلوبة وفقا للقانون باخلاص ونزاهة وحيادية .وبصورة منصفة وعادلة من غير ظلم او جور او مغالات في تطبيق القانون بحق اي شخص متهم كان بدور التحقيق او المحاكمة حتى صدور القرارات النهائية بالتهمة الموجهة ضده , اما بالبراءة او بالادانة وفقا للقانون والعدالة المنشودة ,مما يناكد ان لمبدئ الانصاف دورا اساسيا في الوصول لتلك النتائج النهائية العادلة والمنصفة , ومن خلال حقيقة ونوعية التعامل مع المتهم وذوي العلاقة في اي قضية جنائية كما تقتضيها قيم الانصاف الانسانية والاخلاقية .
ان ضرورة ووجوب معاملة المتهم معاملة حسنة مسالة انسانية بحته لا علاقة لها بحقيقة الفعل الاجرامي والجريمة الواقعة مع الاخذ بنظر الاعتبار ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بقرار قضائي صادر من محكمة مختصة .وتامين هذا الحق لكل شخص متهم هو انصاف له لكونها حاجة انسانية وطبيعية لابد من احترامها ومرعاتها في التعامل معه وفي اي قضية جنائية .وهكذا يكون حقيقة دوافع الالتزام بتنفيذ الاجراءات الاصولية وفقا للقانون على ضوء وسبل ومعطيات القيم الانسانية التي تتضمنها قيم واهداف القواعد القانونية في مراعات حقوق كل فرد مهما كان موقفه في اي قضية كانت شاكيا فيها او مشكوا منه فيها او متهما يريئا او ملتبسا بالجريمة . للوصول الى تطبيق العدالة من غير جور او ظلم او تعدي وفقا للقانون وعدالة الاحكام الصادرة بشانها .
ومن الانصاف- محاسبة كل من تسول نفسه بالاعتداء على حقوق المواطنين باي شكل من الاشكال بالعقوبة المناسبة لفعله من غير التشديد بدون مبرر قانوني او شرعي او التخفيف بها كذلك لتكون العقوبة و فقا للحكم القضائي اوالقانوني اوالشرعي اوالاداري ايا كان شكله ونوعه العقابي مناسبا ومنصفا ومتوخيا لقيم العدالة الانسانية المرجوة من تلك العقوبة او الحكم الخاص باي قضية او مسالة كانت تتعلق بحياة وامن وحقوق كل مواطن . ولوضع الحد لتداعياتها الاخلاقية والانسانية وعلى استقرار حياة المجتمع عموما .
(ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب ) في الوقت الذي تكون فيه العقوبة ضرورية لحماية المجتمع ومهما كانت صفة علاقته بها انما يجب ان تكون العقوبة ذات هدف اصلاحي وليس انتقامي من الشخص نفسه لاي سبب كان .وفسح المجال له ولغيره من تجنب تكرار الخطاء او الذنب المرتكب وتكون لهم درسا لحياة جديدة خالية من الاثام والمعاصي والذنوب , يمثل ذلك معنى (الانصاف ) الرائع من هدفه الانساني والاخلاقي , هو انقاذ الشخص وانتشاله من حالة الضلالة الى حالة الهدى والايمان ومن حالة الشقاء الى حالة السعادة .
الانصاف – هو ان ينصف الانسان نفسه وان يحاسبها قبل ان تحاسب ( حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ) ويناى بنفسه عن ارتكاب الاعمال المخالفة لاحكام الشرع والاداب العامة وعن كل عمل يهدد سلامة امن واستقرار حياة المواطنين اوالاعتداء على حقوقهم وحرياتهم ومعيشتهم , وينصف نفسه والاخرين بالعمل الصالح وفعل الخير وبالامر بالمعروف والنهي عن المنكر, ووبالعدل والاحسان , لكي يسود الاستقرار وتتماسك العلاقات الاجتماعية بين الناس على المحبة والاحترام وفقا للقانون وقيم العدالة والانصاف.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *