ازمة تشكيل الحكومة البريطانية مدوية، وتتصاعد في الساعات وليس الأيام، بعد استقالة سريعة لليز تراس التي حكمت أربعة وأربعين يوما ونالت مباركة ملكة وملك في سابقة بين رؤساء الحكومات في المملكة المتحدة. لكن هذه الازمة الوزارية ذات الأثر الكبير في حياة الشعب الذي يعاني من تضخم الأسواق وهبوط العملة ورعب فاتورة الطاقة، لا تقارن بأية ازمة حكومية في بلدان مشرقية كثيرة ومنها العراق الذي يصادف انه ايضاً بالكاد وجد رئيسا مكلفا لحكومة جديدة لا تزال بين رد وبدل في دهاليز الكتل والأحزاب السياسية.
برغم تعقيد الازمة في بريطانيا الا انّ طريقها الى الحل واضح، وله مرجعيات فاعلة في ضبط حركة الواقع السياسي، اذ سيقوم حزب المحافظين الفائز في الانتخابات السابقة بتكوين حكومة بديلة في أيام قليلة جدا، أمام مراقبة شديدة من عيون الحزب المنافس الكبير ، حزب العمال.
الاستقالات في الحياة الديمقراطية الحقيقية أساس ديمومتها وصحتها وتطورها. لا أحد يتوقف عند منصب ما ويكون محتكرا له. كما انه لا يوجد أي وجه سياسي يعاد مرتين وثلاث مرات الى واجهة زعامة حزبه أو في التمثيل الحكومي في خلال العقدين الأخيرين. في العراق اليوم انتعشت آمال الفرحين بما يسمى بالولاية الثالثة وما أدراك ماهي، في اعقاب التكليف الجديد، وكثر الغمز واللمز من معارضين سياسيين ومن الشعب ايضا، وهذا امتحان حقيقي لصاحب المسؤولية الجديد في اجتراح طريق مختلف في الخدمة والسياسة.
اشتقاق الحكومات من الأحزاب الفائزة بالانتخابات ليس عيبا، وحتى لو كان معظم الحقائب منوطاً بحزب فائز واحد، لأنّ اللعبة الديمقراطية تقتضي ذلك، والقانون والدستور هما الحكم لتقويم المسارات، ولا داعي للقلق من أي اختلال. لكن في العراق المبني على تثوير الانقسامات والإفادة من اللعب بها وعليها، تقتضي الضرورة تقنين المسار -الديمقراطي- ليكون تمثيليا للمجموعات في إطار توافق له طاقة تشغيلية اقوى من الدستور ذاته.
وزراء الحكومة البريطانية هم من حزب المحافظين بشكا اساس،
لكنهم يعملون لصالح عموم الشعب البريطاني، ويكادون ينسون حزبهم في خلال فترة تأدية المهام الوزارية. أما في العراق فإنّ مجيء الوزير من حزب معين أو جهة ما يعني تكريس الجهد والمال والامتيازات والفرص لحزبه او مجموعته التي جاء منها.
هذه ابسط الفروق وأهمها أيضاً. لكننا بالتأكيد لسنا في مجال إيضاح الفروق بين حكومتين، الأولى تقوم في لندن والأخرى ولادتها في العراق، فذلك أمر آخر تماماً.