-1-
اذا كانت الموازين تقضي بتقديم الأهمّ على المهم ، فانّ أهم ما يجب مراعاتُه على المسؤولين كافة هو تعميق الصلة بينهم وبين مواطنيهم ، ذلك أنّ الرصيد الحقيقي لهم – والذي لا تمتد له يد التغيير – هو المساحة التي يحتلونها من وجدان الجماهير .
-2-
قال الشاعر :
وأَعزُّ ما يبقى وِدادٌ دائمٌ
انّ المناصبَ لا تدوم طويلا
نعم ان المناصب لا تدوم ولو دامت لغيرهم لما وصلت اليهم
والملاحظ :
انّ المغرورين بمناصبهم لا يُفلتونَ مِنَ احتساء كؤوس العزلة بعد زوال مناصبهم، ولا يتلقاهم الناس الاّ ببرود واضح وتحفظات شديدة جزاءً لما كانوا عليه من إعراض واهمال لما كان يجب أن يُراعوه في التعامل مع المواطنين على اختلاف مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية .
-3-
المسؤولون الكبار عندنا حصنوا انفسهم بالسكن في (المنطقة الخضراء) التي لا يسمح لأحد بدخولها الاّ اذا كان حاملاً (للباج) الخاص .
-4-
ثم ان معظمهم يسارعون الى تبديل ارقام هواتفهم بمجرد تسنمهم لمناصبهم ليسدوا على المواطنين باب الاتصال بهم .
ولو لم يُغيروا ارقام هواتفهم فانهم لا يجيبون المتصلين بهم الاّ اذا كان من الخاصة ..!!
وهذا ما يُسهم في زيادة عزلتهم الاجتماعية .
-5-
لقد كان الكثير من المسؤولين الكبار في العهد الملكي يخصصون يوماً معيّنا لاستقبال اصدقائهم ومن يرغب بلقائهم .
وكانت الفرصة متاحة أمام مَنْ يُريد لقاءهم والحديث المباشر معهم . وبمقدور المسؤول اليوم أنْ يُعلن استعداده لاستقبال الراغبين بلقائه في موعد يحدده بنفسه حتى اذا كان لساعتين او ثلاث في الاسبوع ، ويمكن له ايضا أنْ يعلن انه يُجيب على المتصلين به في ساعة معينة يحددها بعد انعقاد الدوام الرسمي لئلا تشغله المقابلات والاتصالات عن انجاز المهمات الملقاة على عاتقه .
-6-
الذي يحز في نفوس الفقراء والمستضعفين انهم يرون الاثرياء ورجال الاعمال يتصلون بمن يشاؤون من المسؤولين – وبكل يسر وسهوله – ويُرحب بهم متى ما اتصلوا آناء الليل وأطراف النهار في حين انهم لا يجدون الاذن الصاغية لاتصالاتهم..!!
-7-
انّ الذين تولوا المناصب المهمة في العراق الجديد كثيرون، وغاب معظمهم عن المسرح السياسي والاجتماعي بمجرد فقدانه للمنصب
وهذا ما جعل الكثيرين منهم يختارون السكن خارج الوطن
وهذا هو الافلاس بعينه .
-8-
انّ المناصب هي الفرصة الذهبية لخدمة الشعب والوطن وتعميق الصلة بالجماهير .
ومن هنا فلا خوف على المخلصين بعد زوال مناصبهم عنهم
وهذا هو الفارق الكبير بينهم وبين غيرهم ممن لم يستثمر الفرصة وبات يعض أصابع الندم حيث لا ينفع الندم .