حظي كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني بشهرة واسعة ، ويعد واحدا من أهم المراجع للباحثين في تاريخ الغناء والشعر والأدب والموسيقى المرتبطة بالتراث العربي والإسلامي.
بصراوي عينه مكحلة يسكن البصرة أم العود والخشابة والهيوه..
وللعشار أغانيه التي جعلته يكتسب شهرة لاتقل عن دجلة والفرات. والى الشمال من مدينة النخيل يأتيك الصوت مرددا كون الرفاعي يشيل للناصرية وتتهادى صور الوداع الحزين للعاشقين عند المگير تحت ضوء القمر ، وللشطرة حصة تنافس سوق الشيوخ التي لم تطفيء نار الشوق في دواوينها ومضايفها وما زالت متقدة بكل تلك الاغاني والقصائد التي لاتسعها كل عربات الريل وحمد! وللسماوة ونخلها حكايات لا تنتهي يرويها أهل العمارة تلك المدينة التي تخبز الأنغام الحزينة مع الطابك والمسكوف.
هو ذا الحال لكل المدن العراقية المستريحة عند ضفاف النهرين..
في الأنبار غرباً حين يدور الناعور الخشبي مغتسلاً بماء الفرات وهو يصدر ذلك الصوت الرخيم الذي يؤذن عند الفجر مثل مايسترو يقود أنغام الربابة والمزمار وطبول الجوبي حال إتمام العتابة دورها في انتزاع القلب من الصدر وطرحه في قعر الفرات كي يطفيء نار اللوعة التي تتغنى بها ديالى وهي تباهي الشمس والقمر بعطر بساتين البرتقال التي تغفو تحت فَيّ النخل كقصيدة عشق أبدية.
ولاتَشِذُ الموصل و كركوك عن هه ولير والسليمانية أو أي مدينة عراقية اخرى في ان ابنائها لا يعرفون الفطام ، وأنهم يذوبون وجدا وهم يتغنون بها .. غزلا أو عتابا أو بكاء .
جمال المدن وتأثيرها على الأنسان مسألة تختلف من مجتمع الى آخر ، ولو أردنا استعراض الاغاني العراقية التي تتغنى بالمدن والقرى وتصنيفها وفقا لتسلسل الأبجدية فلا أستبعد ان يكون لدينا دليلا كبيرا يضاهي كتاب الأغاني العتيد حين يضم صور كل المعشوقات التي ولدنا وعشنا وسكنا فيها وما زالت تسكننا برغم الرحيل ،، وسأفرد فصلا كبيرا تحت عنوان
تتبغدد علينه وأحنه من بغداد!