شيء من هذا الاحتِراق،
يكفي لألغي ذكْرى الطفولة من رُزنامة المهرجانات الموسِمية،
وكل الدّيكورِ على المسالكِ التي تؤدي إلى المدرسة،
لألغِي ظلِي الراكضِ متموجاً على ملاسَة الجدران،
دون أن يقعْ،
أحتاجُ لمَخاوفي القديمة فهي تهيئُني لبُكائيّةٍ مَا،
تغسلنِي من تراكُمات الملحِ على سَبخات العمرِ،
ومن خُرافة _أني حينما أكبرُ سأفرحْ_
انتصفَ الليل بداخِلي،
بينما يظلُ يقفزُ يافعاً على باقِي السّطوح،
من كسرَ الشمعدانَ عند مدخلِ النفقِ ؟
وأوعزَ لليلِ بأن يكون رمادياً على غير عادتهِ،
و للقمر بأن يمارسَ لفاتهِ خارج مداراتهِ الأولى،
فوق صنوبراتٍ لا غاباتَ لها،
خارجَ حُبيبات الرملِ،
المتقاطرة من هيكلِ الزمنِ العاجيْ،
أشتهِي بعد هذا العُمر،
أن أفتحَ رسَائلي التي لم يستلمْها الغروب،
كنتُ أدُسها في جيوب العتالينَ دون مقابلٍ،
هم أقربُ مني إلى الأفقِ،
الغروبُ لا يتسعُ لهِجاءاتِي التي تفتقدُ لاماءةٍ مَا،
أخبرنِي أحد العتالينَ على سبيلِ المُواساة،
بأن رسَائلي كانت أطول من جُيوبهم بلحظاتٍ،
وأنها تشبهُ في استدارتِها خَلاخل الفِضة،
أسكبُ له قهْوة المسَاء،
أضعُ في قوسَ شفاههِ لفافة تبغٍ،
وأودعُه بحرارةٍ عند المضِيق،
والآن أجلسُ بالقربِ من كل أفرانِ الشّتاء،
أفتحُ رسائلي القديمة،
تلكمُ التي لم تستلمْها صناديق البريدِ في الأفقِ،
لألغِي المسافة الفاصِلة بيني وبين الوافدينَ،
الوافدينَ للدفعِ بالسّفينة داخل عنق المَاء،
أنا بحاجةٍ ماسةٍ،
لجبلٍ يعصِمني من كُريات دمِي الحمْراء،
يعصِمني من تُرهات فجرٍ لا يحفظُ أسماءَ الخيُول،
لا يسألُ عن تفاصِيل الغزوة،
حينما أحاطَ بها الغُبارُ والعويلُ معاً،
ووحدِي من رغِبَ وقتها في طقاطيقَ زغرودةٍ كغنيمَة،
تأتِي بها الريحُ من كل الاتجاهات التي أعرفهَا،
أتوسدُها حينما يتعثرُ البكاء في المحاجِر،
ولا يأتي على هيئة غريبٍ أضاع طريقهُ إلى السّماء،
كانت رغبتِي تبدُو محترقة عن آخرِها،
غداً إذاً موعدُ الرمادِ على السفوحِ،
ليضعَ حداً لغروبٍ لا يتقنُ لهجاتَ الأرياف،
لا يقوى على خلقِ مزهريةً من صلصالٍ،
لشقائقَ النعمان المبعثرة على الربْوة،
لنوارِ الغابة الذي بلَغَ من العمْرِ عِتيَا ولم يَحتلمْ،
لا يستقبلُ بريدنَا الذي نمهرهُ على عجلةٍ من أمرِنا،
ويعيد للقمر مَداراتهِ الأولى،
وللزوايَا صمتهَا المحتُوم،
حينما تشتغلُ لعبة الغميْضة في الميادين المشرَعة على كل الاحتمالاتْ،
كنتُ أدبرُ المُؤامَرة للاطاحَة بعرشِ الريحِ،
لأفتحَ ذراعيَ على وسعِهمَا،
لمُلاقاة سربَ خطاطيفٍ عادَ للتو من هولِ الطلقاتِ،
يحملُ روعة نُدوبهِ القُرمزية،
لمُلاقاة الريحِ أيضاً،
إذا اعتدلتِ _في يومٍ ما_ في شكْل هبُوبهَا،
واعتذرتِ لكل الاتجاهات التي أعرفُها،
من عبثَ بميكانيزمَات البوصَلة،
و فكّ مِرساة السفينة ليلاً،
وأرسلَ البحرَ نبياً إلى السّماء ؟
البحرُ لا يحسنُ الإيتاءَ بالمعجزاتِ حينما يغضبُ،
وحينما تتمردُ شهوة السّماء عن بظورِها،
لا يحسنُ الاصْغاء للسّكارى العالقينَ بين البارحة والآن،
البحرُ أنجبتهُ السّماء على سبيلِ المُزاح،
ذات طوفانٍ مبْهمٍ و قديم،
وأودعتهُ في موجِهِ عارياً دونما قِماط،
البحرُ عاهتهُ الملحُ،
فمن فتحَ النّار على المضيق إذاً ؟
وأرْدى العتالَ قتيلاً،
كان لحظتها أقرب إلى الأفقِ من حقول اليقطينْ،
من ضجبجِ الطيورالمُهاجرة دفعة واحِدة،
بعثرُوا عَربتهُ،
تسلقُوا قامتهُ،
فتشُوا جيوبهُ على سبيل الاعْتذار،
عثرُوا على عناكبٍ كانت تُؤسسُ لخُيوطهَا،
عثرُوا على أعشاشٍ قديمة لحمامٍ بريْ،
لم يعثرُوا على رسائِلي،
وعثرُوا على شكل الغُروب،
ملطخاً بشفقٍ رمادي،
رماديٌ على غير عادتهِ.