لماذا تحولت كلمة الأمن الى مفردة كريهة ينفر منها العراقيون منذ عقود، وليس الان، اذ كانت دوائر الامن مطلقة الصلاحية في الاعتقال والتحقيق والارسال الى الموت تحت بنود وتشريعات تساعدها على ذلك من دون اية مسؤولية قانونية. وكان مدير الامن العام شخصية مرعبة للشعب، ولا يزال الجيل الذي لم ينقرض بعد، يتذكر جيدا علي حسن المجيد مديراً للأمن العام، ولك ان تتخيل الصورة، وتتساءل كيف تسمح سلطات الدولة ان يتبوأ شخص لا مؤهلات علمية او مهنية له، مسؤولية ما يفترض انه بث الطمأنينة في نفوس الشعب من الشمال الى الجنوب وليس ارعابهم. والسبب انّ مفهوم الأمن كان سياسياً حصرياً، يصب في مصلحة نظام الشخص الواحد والحزب الذي لا يقبل أن يشاركه أحد في المشهد السياسي او حتى في الوطنية التي لا تكون مؤطرة بإطاره، وتلك الانهيارات جلبت مع سواها الويلات على البلاد، ولا نزال نعيش في ترددات تلك الامواج العاتية التي تسبب به جاهلون قادوا العراق الى الهاوية، ولم يفسحوا المجال لأصحاب الرأي والعلم ان يشتركوا في تصويب أي قرار أعوج بحجة انه يمس الامن الوطني في حين انّ البلاد كانت تتهاوى يوماً بعد آخر.
في النظام الجديد بعد الاحتلال الامريكي، ارتكبت أخطاء جسيمة كرست خطوط المآسي السابقة التي كان مفهوم الامن يسير عليها، ونتجت منزلقات كثيرة استغلتها الأحزاب والمليشيات وأجهزة خارجية في التصفيات على أساس سياسي أيضا، لكن عبر الوان جديدة.
التدقيق الأمني مهم جداً لاسيما في المدن التي احتلها تنظيم داعش ثلاث سنوات وأكثر، ومزق نسيجها الاجتماعي بحسب نظرية شمولية عدمية غامضة المنابع والمصبات ضمن خلطة دولية لم تعد خافية على احد. لكن جرى استغلال هذا المدخل الأمني في التجاوز على حقوق الانسان بوضوح، وحدثت اعتقالات وعمليات تغييب واسعة لشباب ليس لهم ذنب سوى انهم بقوا في مدن تحت احتلال داعش، ولا يزالون في المجهول، ويرجح بحسب تقارير انه جرى تصفيتهم قبل دخول أسمائهم في سجلات رسمية. واستغل السياسيون السُنة الهزيلون ذلك الامر في الدعاية الانتخابية التي أوصلتهم الى مواقع برلمانية ووزارية، ناكثين بالعهود والوعود من دون قطرة حياء.
أمس، سمعت انّ الحكومة الجديدة أوقفت عمليات التدقيق الأمني في المدن المحررة، وهذا قرار واع يحتاج الى تعزيز وتوجيه باستعادة الثقة مع الناس، لاسيما انّ عمليات التدقيق استنفذت أهدافها عبر أكثر من خمس سنوات، ثم تحولت قيداً على حرية المواطن. هناك أساليب علمية واحصائية يمكن مراقبة المجتمع عبرها من دون المساس بالحقوق الفردية والحريات العامة، ومن دون ان يشعر المواطن انّ نقاط السيطرة مثلاً بين المدن هي أماكن يمكن ان يحدث فيها اعتقال تعسفي في أي وقت، من دون رقيب او حسيب، لاسيما انّ المادة أربعة إرهاب المطاطية لا تزال تفتح شهية البعض على التجاوز