بعد مخاض عسير ومواجهات في الشارع وفي البرلمان، وعلى منصات الأنترنت ووسائل الإعلام إجتمع مجلس النواب العراقي ومنح الثقة لحكومة محمد شياع السوداني التي تسلمت مهامها بهدوء بالغ من حكومة الكاظمي، وشرعت بجملة تغييرات في هيكل الحكومة بعد تفاهمات مهمة مع قوى فاعلة سياسية تمثل مكونات الشعب العراقي القومية والدينية. ولعل ابرز تلك التفاهمات كانت مع القوة الكردية الأهم والأبرز في أربيل بزعامة الرئيس مسعود البرزاني، وقوى السيادة بزعامة الشيخ خميس الخنجر ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي التي مكنت من إنهاء الإنسداد السياسي، وصوتت لحكومة السوداني سابع رئيس للوزراء منذ العام 2003 حيث تقع على عاتقه مسؤولية صعبة بعد سنوات من الجفاف السياسي والأمني والإرتباك الواضح في الإجراءات برغم وفرة الموارد المالية التي يمكن الإعتماد عليها بإعتماد سياسة حكم رشيد إعترضتها مصالح محلية ودولية ومواقف ممانعة من هذا الطرف أو ذاك، وأضعفت الى حد بعيد موقف كل رئيس وزراء يتولى مقاليد السلطة في بلاد الرافدين مع مافرضته التدخلات الخارجية من عوامل إنهاك وفقدان للسيادة والقرار المستقل.
يمكن القول إن العراق يتغير برغم وجود النار تحت رماد الأزمات المتعاقبة، لكن الفاعل الدولي هو الآخر تغير مزاجه، وتغيرت الوجهة لديه نحو براغماتية عالية تجعل من بعض المواقف الحالية غريبة مقارنة بمواقف من نفس الفاعل قبل سنتين، أو ثلاث، ويعود ذلك الى حجم وتأثير التحولات الدولية الهائلة، والمصاعب التي تواجه الدول المهتمة بالشأن العراقي بدءا من أزمة الطاقة العالمية، وصراع الأقطاب التي أضيفت الى قائمة منافسة شرسة بين الفاعل الإيراني المؤثر، والعربي المتحفز لمنع العراق من الذهاب بعيدا في دائرة الرؤية الإيرانية، وقد أنهك الطرف الإيراني، ومعه الطرف العربي بسبب تطورات وتحولات لم تكن متوقعة، وجاءت متسارعة، وبنسق صادم أثمرت عن تغيير في الرؤية والفعل السياسي، وقرارات حاسمة لبت ظروفا موضوعية مهدت لتشكيل الحكومة العراقية بطريقة لم تكن متوقعة، مع حديث مستمر عن إمكانية الإبقاء على حكومة الكاظمي، وإستمرار ضغط التيار الصدري على قوى الإطار التنسيقي الشيعي المتهم بقربه من إيران، ومع ماأفرزه حراك تشرين الذي بدأ في أكتوبر 2019 وإستمر لأشهر طويلة، لكنه إنتهى الى عدم قدرة على التأثير المباشر في نظام الحكم الذي بقي متماسكا، وأفرز حكومة جديدة، لكنها قد تكون مختلفة لجهة التحديات التي تنتظرها، أو لجهة المسؤوليات، وحجم التراكمات الماضية، وعدم القدرة على تحمل المزيد من الأزمات التي عصفت بالبلاد على صعد شتى.
ولأن تلك الأزمات لم تتوفر عوامل حل حقيقية لها فقد تكون مرشحة للإنفجار في أية لحظة برغم عدم وجود فاعل دولي لتأجيجها _مؤقتا على الأقل_ وقد يكون سبب التأجيج الفشل في محاربة الفساد، والتقصير في تقديم الخدمات، ولذلك فمن المهم التحرك نحو الملفات الصعبة، وتوفير الخدمات، وإحداث فرق في الحرب على الفساد، وأسترداد الأموال المنهوبة التي تصل الى مئات المليارات من الدولارات، ويكون الجواب على السؤال التالي عن الوضع الراهن الذي يشهد هدوءا حذرا: هدوء يسبق العاصفة، أم عاصفة إنتهت بهدوء؟ إن ذلك مرهون بالأداء الحكومي الذي يجب أن يتوجه الى تلبية المطالب الشعبية التي سببت المشكلة بين الشعب والنظام السياسي طوال عقدين من الزمن حيث الفشل في تقديم أداء مقنع، ولذلك فنحن بإنتظار ماستفعله حكومة السوداني خلال الأسابيع والأشهر المقبلة لنحكم على المشهد. فأما أن نعود الى حالة الفشل، أو نخطو نحو نجاح نتمناه.