عشقُ العراقِ بدا مِن قبلِ تكويني
وللنَّوى لوعةٌ كالنَّارِ تَكوِيني

خَطَّ الإلهُ ربيعًا عندَ دجلتِهِ
وآدمُ الأبُ بينَ الماءِ والطِّينِ

أمواجُهُ في كؤوسِ الرَّاحِ أمنيةٌ
خريرُها صاغَ آياتِ التَّلاحينِ

قصيدةً في ليالي الصَّبِّ تُنشِدُها
بلابلٌ سكِرَت مِن خمرةِ التِّينِ

أنفاسُها انبَثَقَت مِن زهرةٍ عَبَقًا
بنفحةٍ مِن جنانِ الخُلدِ تَأتيني

يا بؤبؤَ العينِ كم أشتاقُهُ أمَلًا!
دعوتُ ربَّ الورى طيفًا يُلاقيني

أَحيا بنظرتِهِ والشَّوقُ يَقتُلُني
نِعمَ القتيلُ أنا والحُبُّ يُحييني

يا مَن يُبَشِّرُني طِيبَ الوصالِ بهِ
أُهدي لهُ شغفي مِلءَ الشَّرايينِ؟

للعشقِ سرٌّ وإنِّي في الهوى كَلِفٌ
والكونُ مِن دونِهِ ما عادَ يُغريني

رَبَّاه إنِّي ظلَمتُ النَّفسَ في سفري
إذ بِتُّ في الغربةِ الصمَّاءِ تُزريني

أَستَغفِرُ اللّهَ تسبيحًا ومَقرُبةً
بدعوةٍ قالَها في الحوتِ ذو النُّونِ

أَقضِي زماني بأرضٍ لا صديقَ بها
لا مَن يُسامِرُني لا مَن يُواسيني

فالطَّيرُ يَبنِي على الأغصانِ مَسكَنَهُ
ما كانَ يَأمَنُ جُحرًا للثَّعابينِ

وقد أَتَيتُ وقلبي سابقٌ قدمي
فالصَّبُّ بَعدَ النَّوى أَمسَى كمجنونِ

أَدعوكَ بالدَّمعِ والآمالُ مِلءُ فمي
مِن بعدِ ما ذُبِحت كلُّ القرابينِ

ما عدتُ أَعرِفُ أينَ الأهلُ قد رحَلوا
مِن بَعدِ ما تَرَكُوا فَيَّ البساتينِ

يا دجلةَ الحُبِّ يا نهرًا أَلوذُ بهِ
كيفَ السَّبيلُ وريحُ الموتِ تُقصِيني؟!

في مائِكَ الطُّهرِ كم مِن طاهرٍ ذبَحوا
والموجُ يَدفِنُهُ مِن غيرِ تكفينِ!

أسماكُكَ اليومَ كالوحشِ المخيفِ بَدَت
مِن بَعدِ ما التَهَمَت لحمَ المساكينِ

رُحماكَ ربِّي؛ فأهلي فيه قد غُدِروا
في الماءِ أَغرَقَهُم مكرُ الملاعينِ

قد أَشعَلوا فتنةً ما بانَ آخرُها
كأنَّهم طمِعوا في مُلكِ هارونِ

وبدَّلوا بلباسِ الدِّينِ ما كشَفَت
فالعِلجُ مِن طبعِهِ مسخُ العناوينِ

هو الأميرُ بأرضِ العُرْبِ مُذ كسروا
ويَحكُمُ النَّاسَ بينَ الشّدِّ واللِّينِ

ما زالَ يَنهَبُ مِن خيرِ العراقِ ولم
تَملَأْ خزائنَهُ أموالُ قارونِ

ويَرفَعُ السَّوطَ في وجهِ الحقيقةِ إن
منابرُ النُّورِ تُرفَعْ في الميادينِ

هذا العراقُ يُناجِي عينَ خالقِهِ
والرِّيحُ تَعصِفُهُ مثلَ الطَّواحينِ

فِداه عيني وعينُ اللهِ تَحرُسُهُ
وحضنُهُ مثلَ حضنِ الأمِّ يُؤويني

أَضحَى جريحًا وكفُّ الموتِ تَتبَعُهُ
بالغـدرِ مُحـتَـمِلًا طعـنًا بـسكِّينِ

أطفالُهُ ردَّدوا القرآنَ مُصطَبَرًا
مِن حزنِهم أَكثَروا ترتيلَ ياسينِ

بأجملِ الصَّبرِ يُفنِي كلَّ ما مكَروا
يَأبَى انصياعًا لأوهامِ السَّلاطينِ

كصوتِ أيُّوبَ يَدعو اللهَ مُحتَسِبًا
مَن لي سواكَ مِن الآفاتِ يُنجيني؟

يَبقَى كريمًا أبيًّا رغمَ مِحنَتِهِ
يَفوحُ شِعرًا وعطرًا كالرَّياحينِ

ذا مَنطِقُ العشقِ دومًا في سنابِلِهِ
يُرَدِّدُ القولَ: لا إكراهَ في الدِّينِ

لو كانَ للكونِ أفواهٌ لقالَ: هنا
سرُّ الوجودِ وسرُّ الكافِ والنُّونِ

 

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *