برغم سماعي الكثير عن ( جورج منصور) ذو السبعين عام بخبرة معتقة برحم سياسي بحت الا ان مخرجاته العفوية وسيمائه الغريزية لا توحي بانه لاعب سياسي ماهر .
من بواكير شبابه منتصف سبعينات القرن المنصرم وتبلور طموحاته المعجونة بازمات الواقع الا انه ادرك بحس مسالم ووتر عازف مراهق حالم .. ان أيام سوداء تحيط بالعراقيين وان نظاماً دكتاتورياً يضرب بالافق بما يكفي لتشكيله خطرا على الفكر المسالم والعقل النابغ والضمير الحي .. من هنا اختمرت فكرة الهروب ولو بأسلوب خارج السياقات ..
هكذا وجد نفسه متنقلا بين جبال العراق وموسكو وطهران ودمشق وتورينتو … وبقية اصقاع لم تكن مجدولة يوما .. وان بدت عفوية او ظهرت هكذا مع ان لا شيء عفوي بالسياسة ..
جورج منصور .. وقائع حية وتفاصيل حقيقية خطت بانامل وجدانية انسلت مفردات منتقاة وحس يستحق التغلغل بين طيات تلك الرحلة الصاقعة الصاعقة بمحطات اشبه بالخيال مع انها حقيقة ..
كتب منصور روايته او مذكراته بصورة سردية تشيء بالكثير من شعرية النثر المطعم بجمالات نص لا يمكن لواعي ان يركنه بين طيات الأرشيف او على رفوف المكاتب .. سيما للباحثين عن صدقية النص السياسي مع ان مفردات لغة السياسة ظلامية حد الاشباع ومؤجندة بما لا يقبل الشك وتدور لغاية ما بمعزل عن بشاعة الوسيلة ..
ثمة شيء يوحي لك وانت تسبح في شواطيء جورج وتغوص باعماق بواطن محيطه ان الرجل سار بطريق لا يتناسب مع قدراته ولا يتطابق مع طموحاته ولا ينسجم مع وداعته .. صحيح ان السياسة ساقته سوقا وان شبكات المخابرات تعرف وتنسج تفاصيله التي ربما لم يعها حتى الان .. لكن أي مطالعة موضوعية بحس مرهف لحوار منلوجي سيفضي الى ان سماء ما كانت ترعى الرجل ومسيح رحيم يدق ناقوس قداسه كلما حدقت وحاطت به الاحداث .
بعد ان انهى كلامه الرقيق العذب بشكل وزي لا يسعك الا ان تحبه على طريقة ( يونس شلبي او فؤاد المهندس وحتى اعتاب فوازير رمضانية بكل ما تظهره من خدش وما تبطن من همس .. ) !
على قاعة رواق بغداد الثقافي المتانق اجتمعت ثلة نخبوية تستمع الى جورج منصور لحما ودما متخم بالكثير من تجربة فخمة ، كنت محظوظا لمشاهدة واستماع صناعة انموذجية لا ينالها الا المحظوظون ..
كنت اول المعلقين جهارا وجها لوجه مع منصور فقلت : –
( أولا : شكرا لك لانك خالفت الموروث العربي المجافي لكتابة المذكرات سيما السياسية منها فضلا عن تدوينك بطريقة تفهم وتتذوق على انها أدبية بل مؤدبة جدا بشكل يتقاطع مع الغايات السياسية التي لا يمكن انكارها والتملص منها .. ثانيا : علمتني تجارب الحياة وملفاتها انه لا براءة وتلقائية في عالم السياسية وأن ما سمعنها منك ليس اجتهاد شخصي او عناية سماوية مجردة . ثالثا : ان وشمك لقصة حياة جورج منصور ( بالايفينية ) واختزالك جمالية التفاصيل المشوقة لتجربة ثرية واسرار ذهبية دونت تاريخ العراق الحديث بحيادية وروح سامية متاصلة وان كانت بضغوط اعتقدها من ذات رحم العقيدة الموسكوية والجبال الكردستانية والتقلبات الإيرانية .. الا ان العنوان بكل الأحوال لم يكن معبر عن قدسية الفكرة وجمال رحلة ومتعة مضمون منساب حد المخاضات ومنفتح على ولادات جدد في رواية ( ايفين .. نقش بالذاكرة ) .