لنتفق اولاً على مبدأ اهمية انشاء ميناء الفاو الكبير بعنوانه العام ، ولنترك الجزئيات ونقاط الخلاف الفرعية العلنية او السرية ، ونتجنب النظر من زاوية الخوض بتفاصيل جانبية ، تتعلق بالشركة المنفذة من كونها تابعة للمعسكر الشرقي او الغربي ، حتى نستطيع تفكيك شفرة الازمات ، وندعم الحلول من خلال فرض المشتركات ونقاط القوة لتعزيز اسس ومرتكزات بناء هذا المشروع الاستراتيجي العملاق ، حتى وان كان الانتهاء من عمر انجازه الافتراضي سنة ٢٠٤٠ كما يراه المختصون ، لنسأل انفسنا ، هل هنالك ادنى شك بعدم اهمية هذا المشروع كأقوى مورد اقتصادي للدولة يسير جنبا الى جنب مع موارد النفط والزراعة والصناعة ؟ وهل هنالك خلاف على انه سيكون سلاح جيوسياسي للعراق يزيد من امكانية تمكين السيادة تمهيدا لارجاعه الى مكانته الريادية وصدارة النفوذ العربي والاقليمي ؟ وهل يوجد شك بأن العراق يقع في قلب العالم ، وان تعظيم موارد الدولة يكون من خلال خلق قنوات ترانزيت تصديرية للبضائع العالمية ، وفتح طرق جديدة تربط بين الشرق والغرب استكمالا لطريق الحرير ؟
رغم كل بوادر حسن الثقة الرامية لتصحيح اخطاء وسياسيات النظام السابق تجاه الكويت، والذي لايتحمل الشعب تبعاتها بالمطلق ، الا اننا لازلنا نجد بعض المشاكل المتجذرة والكثير من الرواسب مازالت تطفوا على السطح بين الحين والاخر ، في وقت عدم وجود جدية حقيقة لتنقية نوايا الاخيرة لطوي صفحة سوداء وحقبة مؤلمة عاشها البلدين ، بل اننا لم نلمس اي اكتراث واهتمام لدى الطرف الاخر بالذهاب لمبادرات مختلفة ونوعية لتعميق العلاقات الاخوية وازالة الحساسية التي كانت تحاول توظيفها بعض الاطراف السياسية المحلية والاقليمية ، لتنمية التعاون الاقتصادي وفقاً لمبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وحسن الجوار ، وللاسف اقول هنالك الكثير من المؤشرات التي تثبت عدم وجود نوايا جادة وصادقة من الجارة الكويت لتذليل الخلافات، ترجمتها محاولات تضييق الخناق تدريجيا على رئة العراق الاقتصادية، في وقت لم تراعي جميع الحكومات المتعاقبة اهمية وحساسية وخطورة التغييرات والمتغيرات السياسية بالمنطقة ، واختلاف بوصلة سباق التسلح من الجانب العسكري الى الحقل الاقتصادي والسيبراني .
لم يتبقى دينار واحد من الديون الاجمالية البالغة قيمتها ٥٢.٤ مليار دولار أميركي، كتعويضات ناجمة عن الاجتياح العراقي للكويت عام ١٩٩٠ الا وقام العراق بتسديده، نتيجةالمغامرات والحروب العبثية التي ادخلتنا في نفق الافخاخ والمؤامرات الدولية والاقليمية، ورغم ذلك نجد اليوم مازالت هنالك بعض الرواسب التي لم تنسى من قبل الجارة الكويت ، من خلال الاعتداء وقتل الصياديين العراقيين في المياه الاقليمية ، الذين ربما يكون لهم حق بالمرور البريئ وتواجدهم هناك وفقاً للمادة ٤ من اتفاقية تنظيم الملاحة بين البلدين الموقعة عام ٢٠١٢ ، واستناداً الى اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام ١٩٨٢ .
اهمية انشاء الميناء تصب بمصلحة العراق بالدرجة الاولى كونه سيلفت ويخطف انظار دول كثيرة لاعتبارات وابعاد اقتصادية وسياسية منها ايجاد بدائل لطرق النقل لتقليل الجهد واختصار الوقت، وربما ستتوتر بسبب هذا الميناء علاقات العراق مع بعض من دول المحيط العربي والاقليمي ،كما تأثرت علاقات روسيا مع دول اوروبا بسبب انخفاض انتاج خطوط امداد الغاز نورد ستريم ٢ الذي ادى لفرض عقوبات امريكية قبل ان يكتمل انجازه في نهاية سيبتمبر عام ٢٠٢١.
عرقلة انشاء ميناء الفاو الكبير ربما سيوتر العلاقات مع الكويت ، وعملية تنفيذه وبدا العمل به قد يؤدي الى نفس النتيجة وقد يكون اسوء ، وانذاك لابد ان يكون لدى الحكومة العراقية تحرك استباقي وتحسب لجميع السيناريوهات الافتراضية ،الواقعية منها والخيالية ،والذهاب الى تغليب مصلحة العراق على جميع المصالح الاخرى ، لان السياسة مع دول الشرق الاوسط عودتنا ان يكون استقرارها على ارض رملية.
قرار مجلس الامن لترسيم الحدود الدولية بالرقم ٨٣٣ في عام ١٩٩٣ ،والاتفاقية التي تم التوقيع عليها في ٢٠١٢/٤/٢٩ نصت بشكل جازم على تنظيم الملاحة واحترام بنودها من قبل الجانبين العراقي والكويتي، والمادة ١٤ من هذه الاتفاقية تنص على ان اي خلاف حول تطبيقها او تفسيرها يتم تسويته ودياً، وان تعذر ذلك يتم اللجوء الى المحكمة الدولية لقانون البحار ، وتبقى سارية المفعول لاجل غير محدد وان اراد احد الطرفين انهاءها فيتم ذلك بمدة ٦ اشعر وبموافقة الطرفين. ولكن السؤال الذي يثيره فريق من الرأي العام ، مالسر الذي يقف خلف المواقف السلبية للكويت تجاه العراق ؟
ادعوا السياسيين للاهتمام بهذا الملف ودعمه وجعله اولوية عليا ذات ضرورة قصوى لكونه يضمن مستقبل الاجيال القادمة ، ويزيد من الدخل القومي للعراق ، بل ان يضعه المسؤولين اليوم ضمن الخطة الحكومية لانجاز اهم مرحلة مهمة من هذا المشروع ، وعدم الذهاب وقتل الوقت بالمماحكات السياسية واشغال كل حكومة جديدة تتشكل عن تنفيذ واداء التزاماتها وواجباتها المهمة تجاه تحقيق المصلحة الوطنية العليا، وان لا تذهب وتنشغل بصغائر الامور ولا تعير اهتمام للقضايا الاستراتيجية النوعية التي لها اثر بالغ في تعظيم موارد الدولة.
التوصيات /
١- الذهاب لتشكيل لجنة العليا للتنفيذ والاشراف على ميناء الفاو الاستراتيجي ، اعضاءها من الشخصيات ذات المناصب الرفيعة ، يترأسها نائب رئيس الوزراء وبعضوية كل من وزير النقل ووزير التخطيط ورئيس ديوان الرقابة المالية وبعض المختصين .
٢- متابعة المشروع بصورة مباشرة من قبل السيد رئيس الوزراء وفق جدول زمني محدد ، وخطة دورية شهرية لمعرفة نسب الانجاز المتحققة ولمعرفة المعوقات التي تحدث اثناء فترة التنفيذ .
٣- ابعاد كل الشخصيات السابقة التي لم تحقق اي منجز ملموس وقللت من اهمية المشروع واثارت الجدل بخصوص مسألة التنسيق والتعاون وفتح سبل الحوار مع الكويت.
٤- مكاشفة الرأي العام والاعلام والمختصين بتحليل البيئة بضرورة اهمية هذا المشروع وخصوصاً انه سيكون بحاجة فعلية لدعم كبير من قبل الشارع العراقي.
٥- ابعاد ورقة المساومات السياسية عن المشروع واعطاءها فترة استراحة طويلة الامد ، لابعاد شبح التخوين والمؤامرات عن الحكومة وصناع القرار من قبل اي جهة كانت.
انتهى ..
خارج النص /
١- المادة ٤ من الاتفاقية تنص على ان خور عبدالله عراقي ، والعراق له الحق بفرض سيادته على الجزء الخاص به من الممر الملاحي في المياه الاقليمية.
٢- للاستزادة اكثر من تفاصيل خط انابيب نورد ستريم ٢ ، مراجعة جميع المقالات التي نشرتها بخصوص هذا الموضوع.