عالم النمل ، عالم اجتماعي غريب ، يتفاهم عبر موجات لاسلكية بتردد محددة ،اذا دخلت على هذا التردد وشوشت عليه ،فانك تكون قد احدثت اعصار في المجتمع النملي، و تبدا الكارثة له بالابادة ..اتذكر في بداية التسعينات، كنت مشرفا” على قاعة امتحانية في كلية الهندسة الجامعة المستنصرية،و معي ٥ من التدريسيات و المعيدات ، وكانت جدران القاعة خارطة من انفاق النمل الابيض ( دودة الارضة ) .قلت لاحد الزميلات : ان النمل عالم كادح فيه تخصصات متنوعة ، و قمت بمفتاح السيارة بتدمير اماكن متفرقة من الانفاق الظاهرة..قالت لي : ما الذي سيحدث ؟ .قلت : سيقوم الفريق الاستشاري للنمل بمعاينة الموقع و تحديد الاضرار و ايجاد الحلول ، ويرسلها الى مجموعة العمل والصيانة التي ستعمر النفق بسماكة اكبر .. تحدثت زميلتي الى باقي المراقبات ، حتى استاذنت احداهن لجلب مكبرة و مراقبة ادعائي ..بعد ساعتين من بدء الامتحان انتابني شعور باني قد اجرمت ، لان المراقبات تركن مراقبة الطلبة ليتفحصن و يراقبن اداء النمل الابيض و وسائله العبقرية في اعادة بناء الانفاق الظاهرة ، وارسال اعمال الاعمار الى الملكة المتعرشة تحت الارض بعمق لايقل عن متر …
و هناك قصة معبرة ومتداولة عن عالم الادارة الذاتية و كيفية انجاز المهام باتقان دون ادارة غبية او رقيب فاسد، او مستشار ابله او مخطط استراتيجي معتوه..والقصة تحكي عن نملة مجتهدةتتجه صباح كل يوم إلى عملها، بنشاط وهمة وسعادة وتحقق انتاجا وفيرا” بعمل متقن ..
ولما رآها الأسد تعمل بكفاءة متناهية دون إشراف ( مدير ) او رقيب ( المفتش) ،قال لنفسه:
“إذا كانت النملة تعمل بكل هذه الطاقة دون أن يشرف عليها مدير و لا يتابعها مفتش فكيف سيكون إنتاجها،
لو عينت لها مشرفا و رقيبا”ً؟،
قام الاسد ( الحكومة ) بتوظيف
الصرصار مشرفاً على أداء النملة ً، و السحلية رقيبا” على دوامها و انتاجها..
كان أول قرار للمشرف الصرصار هو
١. وضع نظام للحضور والانصراف..
٢. توظيف العقرب (سكرتيرة) لكتابة التقارير ، و متابعة البريد.
٣. عين العنكبوت (امن و متابعة ) لإدارة الأرشيف ومراقبة المكالمات التليفونية
ابتهج الأسد بتقارير الصرصار وطلب منه تطوير هذه التقارير بإدراج :
أ. رسوم بيانية
ب. تحليل المعطيات لعرضها في اجتماع مجلس الإدارة القادم
فاشترى الصرصار
١. جهاز كمبيوتر من (نوع قرد ٣)
٢. طابعة ليزر من نوع ( سوبر جريذي)..
٣. عيَّن الذبابة ( تخطيط و دراسات )
مسؤولة عن قسم نظم المعلومات..
كرهت النملة المجتهدة ،تضخم الجوانب الإدارية في النظام الجديد،
والاجتماعات التي كانت تضيع الوقت والمجهود..ابلغ ابو بريص الاسد بانخفاض انتاجية النملة و تدهور ادائها ، و نصح الاسد ب :
١. تغيير آلية العمل في القسم الذي وضع النملة فيه.
٢. تعيين الجرادة لخبرتها في التطوير الإداري بصفة مستشار ،كان أول قرارات الجرادة المستشار :
١. شراء أثاث جديد.
٢. شراء سجاد من أجل راحة الموظفين ، علما” ان الدائرة لاتحتوي سوى عامل واحد ( النملة ) لم يحظ بقطعة من السجاد..
٣. تم تعين مساعداً شخصياً لمساعدتها في وضع الإستراتيجيات التطويرية وإعداد الميزانية و اختار الفأرة (خبير استراتيجي )..
وبعد أن راجع الأسد ( الحكومة ) مع المفتش( الصرصار) ،و اطلع على محاضر المفتش (ابو بريص) ، و تقرير المستشار ( الجرادة ) ، مع استمارات الخبير الاستراتيجي (الفأرة) ، اتضح ارتفاع اجور العامل ( النملة ) والذي كان السبب في ارتفاع كلفة التشغيل ( الموازنة التشغيلية ).. وجد الاسد أن من الضروري تقليص النفقات، وتحقيقاً لهذا الهدف عيّن البومة مستشاراً مالياً.
درست البومة الوضع لمدة ثلاثة شهور رفعت تقريرها إلى الأسد، والتي توصلت فيه إلى أن القسم يعاني من تكدس العمالة الزائدة ( النملة ) ،.
فقرر الأسد فصل النملة من العمل، وتحويل العمل الى القطاع الخاص( الحيتان و التماسيح) !!
امست النملة متسولة تبحث عن اعانة اجتماعية ، لانها من ضحايا ا عادة الهيكلة ومعالجة الأزمات ، وارتفاع البطالة والخصخصة ، في دولة الموظفين و الناس المهمشين ، لا دولة المواطنين و الناس المنتجين ..
اللهم يسر عملنا للاصلاح والصلاح ..
واعنا على خير العمل بالنجاح والفلاح..
ا.د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي