إذا كانت سرقة (الهيئة العامة للضرائب) في العراق، قد سميت بـ(سرقة القرن)، أو فضيحة القرن، فأن الحق يفرض على المختصين (بشؤون الفضايح) أن يطلقوا على صفقة منح قطر تنظيم بطولة كأس العالم 2022 (فضيحة التاريخ)، او فضيحة الفضيحة على غرار (كبة الكبة).
إن ما حدث بين مافيا (الفيفا) وعصابة الدوحة، لم يكن صفقة، او سرقة، إنما هي جريمة بكل مواصفات وشروط الجريمة النكراء التي تقترف بحق القيم الانسانية عموماً، وليست القيم الرياضية فقط، هي جريمة، ومجزرة، شحذت من اجلها سكاكين الجشع والطمع والدناءة، واستخدمت كلها في ذبح المبادئ الرياضية السامية. إن هؤلاء البدو المتخلفين الذين يتعاملون بروح الاستئثار والفوز غير المشروع، وضعوا مليارات الدولارات المتأتية من موارد الغاز، أمام أبصار اللئام، فسقطت ضمائر هؤلاء اللئام صريعة أمام سحر المليارات.. وامتلأت جيوب من فقدوا ضمائرهم وقيمهم قبل ان يفقدوا مناصبهم ومواقعهم في الفيفا مثل جوزيف بلاتر وميشيل بلاتيني وحتى جياني إينفانتينو نفسه.. وبعد أن تكشفت أبرز خيوط جريمتهم، وراح الاعلام العالمي يتحدث عن فضيحة صفقة قطر.. بدأ (بلاتر) يغرد معترفاً قبل أيام من البطولة، بأنه المسؤول عن ( عار ) منح قطر تنظيم بطولة كأس العالم 2022، محملاً أيضاً رئيس الاتحاد الاوربي السابق بلاتيني الجزء الاكبر من عار الصفقة !
في حين دافع بلاتيني عن نفسه، قائلاً: بلاتر هو رئيس الفيفا، وصاحب القرار الأول والأخير، وهو من يتحمل مسؤولية منح قطر تنظيم بطولة كأس العالم.
لكن العالم الذي كان صامتاً طيلة السنوات الماضية، لم يكن يعلم ان (قطر) مجرد كذبة، صنعتها دولارات الغاز، وقنوات الجزيرة الارهابية..
وإن قطر- من حيث المساحة والنفوس – لأصغر من قطاعين في مدينة الثورة، كما أن أمنها يعتمد على الرشوة، والأجهزة المخابراتية الاخرى كالموساد،
وها هي اليوم تستورد 4500 جندی من باكستان لتأمین کاس العالم، مقابل استثمار قطري في باكستان بقيمة ملياري دولار !
كما استوردت من تركيا 3000 ضابط من شرطة مكافحة الشغب، واستقدمت 100 ضابط مخابرات من (اسرائيل) كما استوردت آلاف الجنود من قوات بحرية وجوية امريكية وفرنسية وأردنية للمساعدة في تأمين البحر والسماء خلال بطولة كأس العالم… ولعل الطامة الكبرى، ان قطر ستستورد جمهوراً لحضور مباريات البطولة من تايلند وبنغلاديش والمغرب ودول اخرى، فهي تعلم ان ملاعبها لن تحظى بالحضور المعتاد في النسخ السابقة لكأس العالم، فضلاً عن ان اغلب الجمهور الأوربي سيتعرض الى متاعب جمة، فهم سينامون في فنادق السعودية، و(يسكرون) في مطاعم دبي، ويشاهدون البطولة في ملاعب الدوحة! ناهيك من ارتفاع الاسعار الفظيع.. فكل شيء ارتفع سعره خمسة أضعاف في الدوحة .. !
والمصيبة أن الاعلام القطري، ومعه الاعلام ( الاخوانچي) لم يجد ما يملكه للدفاع عن نفسه في تبرير (سرقة التاريخ)، أمام الاعلام العالمي سوى عبارة واحدة يرددونها جميعاً: يحاربوننا لاننا (دولة مسلمة)!
لكن الاعلام المتصدي لهذه الفضيحة يقول لهم: القضية لا تتعلق بالاسلام أو بالعروبة، إنما العالم يريد بيئة سليمة وعناصر ملائمة لهكذا بطولة، بدليل أن لا أحد سيعترض لو أقيمت البطولة في مصر، أو السعودية، أو المغرب أو ايران، أو تركيا، فهذه دول مسلمة أيضاً، لكنها تملك من الامكانات البشرية والطبيعية، ما يؤهلها لتنظيم كأس العالم..
إن بطولة كأس العالم، ليست مجرد مباريات كرة تنتهي بفوز أو خسارة، إنما هي إظهار لدور التاريخ والجغرافية والثقافة وعناصر القوة، والحضارة التي تكتنزها وتختزنها الشعوب المنظمة..
فأي تاريخ وأي جغرافية وأي حضارة ستظهرها قطر؟!
لقد أنصفتني الأقدار شخصياً، حين منحتني فرصة حضور أربع نسخ من بطولات كأس العالم ودورات الأولمبياد
.. ولعل النسختين الأخيرتين اللتين حضرتهما في البرازيل وروسيا، كانتا الأروع والأجمل، من جميع النواحي .. فالبرازيل التي وفرت متعة ما كنا نحلم بها في ملاعبها ، فنرى سحرة الكرة وهم يمسكون بتلابيب عقولنا، ولا يدعون أحداً منا (يصفن) لحظةً واحدة، أو يتيه خياله في متاهة مجنونة غير متاهة الكرة.. وقطعاً لا ينتهي سحرها عند بوابات ملعب (الماراكانا)، العظيم، أو بوابات الملاعب الأخرى في مدن ساوباولو والريو دي جانيرو وغيرهما..
فالبرازيل المترعة بالجمال، هي مثل قصائد نزار قباني، كل قصيدة فيها أحلى من شقيقتها، وكل بيت أزكى من البيت الذي سبقه، حتى تشعر كانك تمشي في بستان من بساتين الياسمين الشامي، وليس بين قصائد شعر..
وللحق فإن الملايين الاربعة الذين حضروا الى البرازيل في كأس العالم نسخة 2014, مثلاً، لم يأتوا من أجل رؤية ملاعب الكرة وكأس العالم فحسب، إنما جاؤوا أيضاً للتعرف على بلد تعداده أكثر من ربع مليار ، ومساحته تقارب العشرة ملايين كم مربع.. وتضرب جذوره في عمق التاريخ والجغرافية والجمال والتآلف والتعايش، حيث تتعانق فيه عشرة أديان بمحبة وصفاء، بدءاً من المسيحية، الى الاسلام الى اليهودية الى البوذية الى الهندوس الى أديان صغيرة اخرى، بما فيها (اللا دينيين) !
اربعة ملايين جاؤوا ليروا كيف يعيش هذا الشعب الذي يصدر لهم أجود أنواع البن، ويستمتعون بفضله بقهوة الصباح، ويصدر لهم أجود أنواع اللاعبين، فيستمتعون بفنون الكرة وروعتها ..
إضافة للكرة ، ثمة من يأتي الى البرازيل – مثلي- بحثاً عن الحب والجمال، لتجديد خلايا الحياة التي عطبت، وجف ماؤها، ويبست عروقها، لترتوي من ينابيع الروعة، وتشبع من منابع الجمال البرازيلي الأخاذ.. ولا ننسى ان هناك الكثير من هذه الملايين تأتي للاطلاع على بلاد هي صاحبة اكبر نصيب من غابات الامازون المطيرة، وموطن اشهر الوجهات والمعالم السياحية في العالم، بدءاً من جبل (باو دي أسوكار) الذي يقع في ريو دي جانيرو، وبارتفاع 395 متراً، وفي منطقة تعد من اجمل الاماكن في البرازيل، مروراً بتحفة تمثال المسيح الفادي، وهو عبارة عن تمثال ضخم، يقع على ارتفاع يقدر بحوالي 709 متر، تم بناؤه في عام 1931، بارتفاع 30 مترا، وبوزن 1000 طن ..
كما لا ننسى شلالات (إغوازو ) التي تقع على الحدود بين ثلاث دول هي البرازيل وباراغواي والارجنتين، وتعتبر من اجمل الشلالات في العالم.
وطبعاً فأني لن أستطيع المرور على جميع المواقع السياحية في البرازيل، لكني أختمها بما في (ساو باولو) من تاريخ فني باهر، حيث تضم هذه المدينة أفضل مجموعات الفنون الجميلة في امريكا الجنوبية، كأعمال إدغار ديغا، فان جوخ، بيكاسو، سلفادور دالي، واساطير الفن الجميل.
ولعل أروع ما في البرازيل هم الناس، حيث تلمس بساطتهم وتواضعهم، وقناعاتهم، فضلاً عن سهولة التآلف والتعامل والود معهم، فهم كما رأيتهم أناس بلا عقد، ولا عنجهية، ولا كشخة ونفخة و(كلام فارغ)!
لذلك ظلت الزيارتان اللتان قمت بهما الى البرازيل في الاولمبياد، وكأس العالم، عالقتين في ذاكرة قلبي، كما بقيت أيام البرازيل أحلى الأيام في حياتي، خاصة وقد رافقني فيها أقرب الناس الى قلبي..
أما روسيا واليابان اللتان نظمنا بطولة كأس العالم، فحدث بلا حرج عن عظمة هذين البلدين، وسأحكي لكم في مقال لاحق قصتي مع روسيا وكأس العالم.
والآن، وبعد أن أطلعتكم على ما في البرازيل من روعة وسحر وتاريخ وجغرافية، فضلاً عن زهد الأسعار التي لا تتناسب مع ما يحصل عليه الزائر من متعة، اسمحوا لي أن أسأل: ماذ سيجد زوار الدوحة في بطولة كأس العالم، إذا كانت قطر كلها بحجم ( الشخاطة)، وعمر اغنية (عبرت الشط) اكبر من عمر ( دولة قطر) بخمس سنوات وشهرين؟
سألت صديقاً لي زار قطر ، عن الوجهات السياحية والاسواق والمتاحف في الدوحة، فقال ضاحكاً: (سوق واقف) !
قلت: وماذا أجد في سوق واقف ؟
فقال: ستجد (بزازين وعتاوي، وطرشي وليفه، طين خاخاوه، وشحاطات) !
فقلت: (خيعون) زوار قطر في كاس العالم .. لعد راح يشبعون طرشي وطين خاوه، و( …… )!!