يعد إغتصاب الأطفال من الظواهر السلبية التي إنتشرت بشدة، خلال الآونة الأخيرة في أنحاء العالم، على الرغم من وجود حالات سابقة، لكنها تكررت إبان السنوات القليلة الماضية وما زالت تستفحل من دون روادع تحد منها.. لا تعاليم دينية تطبَّق ولا تشريعات قانونية تفعَّل ولا أعراف إجتماعية تحاصر المنحرفين وتنبذهم إقصاءً لهم من رياض الإنسانية.
بغض النظر عن طبيعة الإعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة، لكن آثاره لا تقتصر على الأضرار الجسدية.. عضوياً فقط، إنما تلحق بالضحية مساوئ نفسية وعقلية وإجتماعية وعاطفية، تعيق سير حياته بشكل سوي.. في ما بعد، متسببة له بتشوهات سلوكية متنوعة، يصعب تلافيها.. بل علاجها متعذر في معظم الحالات التي تم رصدها كعينات للدراسة الأكاديمية.. غالباً.
يظل إغتصاب الطفل، كابوساً يلاحقه عند النضج، يخلف آثاراً نفسية كارثية دائمة تنمو مع شخصيته.. وربما تدمرها على المدى البعيد، مستحكمة من طريقة تفكيره.. تشد ذاكرته الى الحادثة بقوة يستحيل معها التخلص من الإرتباط الشرطي مستحضراً الواقعة في كل لحظة متصوراً تكرارها إن لم يتخذ تحوطات واقية.. هذه التحوطات ينفذها بطريقة العقدة النفسية المبالغ بها سايكلوجياً، فتخلق فجوة عدوانية بينه والآخرين ضمن محيطه الإجتماعي والعائلي والوظيفي.
شعور دائم
توتر شديد وشعور دائم بعدم الأمان وفقدان الثقة بالجميع، والإنطواء وتنامى الشعور بالدونية وعدم إحترام الذات، الذي يصور له عدم مبالاة الآخرين به، كما لو شاهدوا لحظة إذلاله تستعاد في كل حين، وتركوه نهباً للوحش الآدمي الكاسر لرجولته إن طان ذكراً ومشوهاً جمال إنوثتها إن كانت بنتاً.
لذلك يجد صعوبة مستمرة في تكوين علاقات سوية مع الأصدقاء ويعاني ضعف القدرات العامة وتهافت الشخصية حد التطامن القصدي مع التفاهة، بإستسلام يهدئ إضطرابات تكوينه النفسي الملتبس!
فيستسهل اللجوء الى القطيعة الإجتماعية الحادة.. عداءً سافراً على الناس، متصوراً كل واحد من البشر هو الذي إعتدى على طفولته وإستغل ضعفه وشوه براءته؛ فيثأر مثل شارب ماء البحر يزداد ظمأً.
وبرغم الإحصائيات الواسعة التي تجرد الإعتداء على الأطفال في أرشيف يبدأ مما قبل التاريخ ولا ينتهي بعد يوم القيامة، إلا أن الدارس لا يجد بحثاً حقيقياً يحصي جميع حالات الاغتصاب، ولا حتى نزر يسير منها؛ كون الحوادث التي تحصل للأطفال لا يتم التبليغ عنها، بل يجري التكتم عليها بسبب خوف الأسرة من وصمة العار والحقيقة أن العار كله هو ما يحدث من التكتّم والتستر على مرتكبي الجرائم الجنسية بحق الأطفال؛ الذي يشجع المنحرفين “من أمن العقاب ساء الأدب” لا سيما وهو سيء أصلاً.. حد البشاعة بالإقدام على مواقعة طفل أو طفلة من المحارم.. لا سمح الله!لذلك يجب ان يكون للسلطة دوراً في معاقبة المُغتصِبين بقسوة توازي قوة الجريمة وفظاعة نتائجها؛ ليكونوا عبرة لكل من تسوِّل له نفسه إنتهاك الطفولة.
كما للأسرة دور قوي في توعية أطفالهم وتنبيههم الى إتخاذ الحذر من أي تحرش أو خلوة مع أحد، وليظل الطفل أمام أنظار والديه طوال الأربع وعشرين ساعة في اليوم.وللتوجيه الديني وتعزيز مقومات إحترام الذات لدى الأطفال.. إناثاً كانوا أم ذكوراً، دور مهم في الحيلولة دون إستسلامهم لمن يستدرجهم الى فعل فاحش! والإستنجاد حال الشعور بأية بادرة مريبة ممن يكبرهم سناً.
أما الضحايا، فيتوجب إخضاعهم لبرنامج تأهيل علمي، قائم على معطيات نفسية وعضوية، تعيد إليهم ثقتهم بالقدرة على الإندماج المتوازن مع الآخرين.. من دون شعور بثلمة في إحترام ذواتهم الجريحة!ثمة إقتران شرطي بالذنب، مجهول المصدر، يربط الضحية الى نوبات من التأنيب، يحتاج أثناءها لمن يذكره بأنه ضحيةٌ.. مغدورٌ، وليس مجرماً غادراً.إنتحرت مراهقة لبنانية مغتصبة، بعد أسابيع من تعافيها، وتركت ورقة كتبت عليها: “بابا وماما.. أنا لا أشرفكما، كنت أصرخ ظاهراً، وفي أعماقي مستلذة بالإهانة.. أنا تافهة لا أستحق الحياة”.التقييم العلمي للحالة أثبت أن أية لذة عميقة لم ترافق الصراخ الظاهر، لكن تداعيات الحالة في ما بعد صورت لها أنها تافهة لا تستحق الحياة، فبررت الشعور بالتفاهة أنها إستلذت من الأعماق وهو ما لم تستطع تسميته بالعقل الباطن؛ لأنها أصغر عمراً وأقل ثقافة من التوصل الى فهم تداعيات العقل الباطن الذي يعطي تكييفاً يبرر تمظهرات الوعي.