تقع مدينة الاصلاح شرق مدينة الناصرية ، وهي اخر منطقة حضرية تنفذ منها من مدينة الناصرية الى مدينة العمارة ، وتسكن هذه المدينة وما حولها قبائل عربية ومنها قبائل آل بو صالح والتي تفتخر ان لها شيخا يدعى بدر الرميض دوخ الترك والانكليز في مقاومته لهم وشجاعته النادرة في اوائل القرن العشرين ، وهناك قبائل عربية اخرى .
يتغذى الاصلاح وقراه من نهر الغراف القادم من دجلة ، وهو نهر اروائي شق في العهد الملكي بمسعى وإلحاح من النائب عبد المهدي المنتفجي والد السياسي ورئيس الوزراء الاسبق عادل عبد المهدي ،وبسبب مطالبته الدائمة بهذا النهر سمي الراحل المنتفجي بالنائب العطشان .
الآن نهر الغراف جف لأكثر من 90 بالمئة من مياهه واصبح بالإمكان ان يلعب به اطفال المدينة لعبة المطارد والروكع والشميطرة وكرة القدم . ومع جفاف النهر لم يعد هناك ماء للشرب ولا للزرع ، أي انه الخراب اينما تولي وجهك كما تقول قصيدة المدينة للشاعر الاسكندري ــ اليوناني كافافيس.
موت النهر وجفافه يعني موت الحياة ،وحين تموت الحياة يموت الانسان ،وحين يموت الانسان تموت الخرائط والمدن وتصبح الصحراء شهادة على ذكريات الانهر والواحات وربما لم تجد وقتها مؤرخا واحدا يسجل تفاصيل موت المدن والحقول والبساتين عطشا وهجرة ونداءات استغاثة ، وآخر مظاهر تلك الاستغاثة القادمة من نهر الاصلاح الذي كان واحدا من مغذيات هور أبو زرك وهو أحد الاهوار في العراق يقع في ناحية الإصلاح شرق الناصرية تبلغ مساحته (64000) دونم ويتغذى من نهر دجلة وتوجد فيه أنواع عديده من الطيور المستوطنة والمهاجرة مثل الدجاج الحر وازركي ودجاج الماء والنورس وكذلك توجد فيه العديد من النباتات المائية نبات القصب والبردي حيث تعتبر هذه النباتات أكثر النباتات انتشارا وكذلك توجد العديد من الأسماك مثل الخشني والسمتي والشلك ، اما السكان القاطنين بالقرب من هور أبو زرك فيعتمدون بالدرجة الأساس في معيشتهم على صيد الأسماك وتربية الأبقار والجاموس وصيد الطيور ، وكذلك ذنائب اهوار الفهود والحمار القريبة منه . احدى تلك المظاهر هو قيام اهل المدينة بنصب جادر لمأتم عزاء وسط النهر ثم توافد الناس عليه لقراءة صورة الفاتحة بمناسبة موت النهر.
موت النهر لا يختلف شيئا عن موت الانسان ،انها جدلية وجودية وترابط روحي وبيئي وانساني ،ومتى فقد الانسان الماء فقط الحياة كلها فهو اولا واخيرا يحمل تلك الدالة السماوية التي تقول :وجعلنا من الماء كل شيء حي . واذا ذهب الماء سيذهب الحي ، وربما هذا المأتم المقام وسط النهر الجاف يعلن ان الشيء الحي في انفاسه الاخيرة وان مدينة تملك تأريخا جهاديا عظيما ستركب اللوريات هي واثاثها لتهاجر الى مدن اخرى فتضمحل الخارطة العراقية ويتعالى صدى جرس الانذار.
بالرغم ان صورة المأتم وطقوسه وسط نهر الاصلاح صورة تكاد ان تكون سريالية إلا انها واقعا مؤلما نقلته الى العالم وانظار الحكومة وزارتها المهتمة بالموارد المائية ومع النقل كانت دموع الاطفال والناس في الاصلاح تنهمر مع ايقاع مراثي العطش التي كانت مفقودة في قواميس اهل سومر عندما يقلون :نحن لا نخشى العطش انما نخشى الطوفان .
ويقصدون الفيضان ..
والآن هذا المأتم وسط نهر الاصلاح يقول لنا :أن الفيضان الذي تتمناه الناس الآن اصبح في خبر كان.