ما كان يخشاه مفكرو الامة من بعبع العولمة وتداعياتها الآنية والمستقبلية وما ستتركه من تأثيرات سلبية على تشكل أفكار ومعتقدات جيل الشباب، وجدوا أنفسهم أمام مواجهة حتمية للحضارة الغربية بكل الوانها، وهذه المرة لم تدخل من بوابة الاقتصاد والشركات متعددة الجنسية والاخرى العابرة للحدود، بل جاءت مسلفنة بشكل مغر بهيأة هاتف نقال ليدخل الى بيوتنا رغما عنا لحاجتنا الضرورية له، فهو من متطلبات العصر.
وربما لسنا وحدنا من فكر بسلبيات (العولمة) فحتى مخترع الانترنيت الانكليزي الشهير تيم بيرنرز لي وهو أب لولدين يعملان بالكومبيوتر كانت لديه نفس المخاوف، لكنه في النهاية أكتشف ان الايجابيات تضاهي السلبيات فتوكل على الله وأكمل مشروعه.
بعد كل هذه السنوات هل نمتلك الجرأة لنجري تقييما موضوعيا مهنيا بصيغة حساب الربح والخسارة للخلطة العجيبة التي وضعت العالم بقاراته واثنياته وعاداته وحضارات شعوبه ولغاته ودياناته في جهاز صغير بحجم كف اليد، لا اعتقد ان أحدا فكر بذلك حتى الان، مع أني أرى ان دعوة شيخ الأزهر الشريف احمد الطيب مؤخرا للعلماء المسلمين ولعلماء الطائفة الشيعية بشكل خاص قابلة لتبوب ضمن هذا الاطار ، بمعنى ان أحد عوامل التوازن في صراع الحضارات هو توحيد الخطاب الاسلامي ونبذ الكراهية وتذليل المختلف فيه وتغليب المتفق عليه الجامع، ليست المشكلة في وجود الطوائف والمذاهب، انما كيف تجتمع موحدة تحت سقف الاسلام.
نقول بكل جرأة ان العالم يتطور تقنيا وتكنولوجيا بسرعة مذهلة ولم تعد الارض تتسع لهذا التطور ، حتى ان الرحلات الى الفضاء الخارجي اصبحت الشغل الشاغل للدول القادرة، واصبح السفر بعيدا عبر الفضاء ممكنا ايضا، فما هو المطلوب منا، هل نجلس على مقاعد المتفرجين، أم نعمل جاهدين لللحاق به أو السير معه، وان كان من أول الطريق، العالم يتحول رقميا ، المعاملات تتم من خلال النافذة الواحدة، ونحن مازلنا نبحث عن (صحة الصدور) لكتاب صادر من جهة رسمية، فان كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد ينبغي ان تفعل نظام الحوكمة والنافذة الواحدة والتقليل من استخدام الورق، كتابنا وكتابكم القابلة للتزوير ، لكي لا تعطي الفرصة للابتزاز وفرض الرشوة والاكراميات.
كيف نتقدم ونجذب المستثمرين بوجود جهاز اداري ومالي متخلف، حسنا فعلت وزيرة الاتصالات هيام عبود الياسري عندما قررت تخفيض اجور الانترنيت عشرين بالمئة، وليتها تعمل جاهدة على تطوير هذا القطاع ليكون مُهيئاً للأنتقال الى نظام (الحوكمة) وقادرا على حماية المواطن والحفاظ على أمن معلوماته وفي متناول الجميع، الوزيرة قررت ايضا حجب المواقع الاباحية، وهو قرار سليم لكنه لا يكفي، فالمطلوب تحشيد الجهد الوطني بخاصة في قطاعات الاعلام والثقافة والتربية والتعليم والوقفين الشيعي والسني، ليعضدا القرار ويدعمان تنفيذه.
أن الحروب المستقبلية هي حروب سيبرانية لا تتم يالصواريخ والقنابل، انما تعطل وتشل أنظمة الدول بما فيها القدرات العسكرية، لذا بات لزاما على الحكومة التفكير جديا بتأسيس مجلس اعلى للأمن السيبراني، وهي دعوة اطلقها الدكتور صفد الشمري رائد التحول الرقمي في العراق، ونبه الى أهمية تشكيل المجلس في هذه المرحلة وتوفير متطلبات العمل اللازمة له. فهل ستكون الحكومة على قدر المسؤوليات الجسام أم كسابقاتها لا تهش ولا تنش ؟.