الأوطان لا تنسى أبطالها، بل تخلدهم بما تستطيع إليه سبيلاً، وتغنيهم في حياتهم مثلما تخلد ذكراهم.. أحياءً أو موتى.
والعاصفة التي إكتسحت العراق بعد 9 نيسان 2003 أفرزت بطولات متصلة بالعمق التاريخي الغاطس في المعتقلات والسجون وتحت المشانق وعلى سواتر الإعدام، لرجال آمنوا بالجهاد رسالة حملوها من الماضي.. عبر الحاضر.. الى المستقبل، شجرة مباركة أصلها في طيات النسيان على أرض العراق وأغصانها تثمر خيراً في الجنة. إذ غامر القاضي منير حداد.. بدمه؛ عندما أقدم على تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس الأسبق صدام حسين، حين تنصل الجميع عن مسؤولياتهم في التنفيذ.
سبقها تاريخ نضالي، بدأه صبياً.. قبل بلوغ الحلم.. عضواً في حزب الدعوة… سُجِنَ وشقيقتاه وعذب وأعدم شقيقاه وتشرد وذاق مرارة حب العراق.. في عهود الديكتاتورية والديمقراطية والإرهاب والفساد والـ… تجلي.
القاضي حداد أسس المحكمة الجنائية العليا، وعمل نائباً لرئيسها؛ بنكران ذات من طراز رفيع، فأنصفوه. على العراق.. بمن يمثله في السلطة.. أن ينصف القاضي منير حداد، ومضحي الدم من أمثاله، وألا يتنكر لأبنائه الذين خاضوا غمار الموت قابضين على الجمر.. ينبغي على الحكومة أن تعيد له إعتباره، وأن تضعه حيث يحتاجه العراق؛ فهو عابد في محراب الوطن، يترفع عن إستجداء الذاكرة ولو فيه غضاضة؛ لذلك على ذاكرة العراق ألا تنساه.
الرجل يعيش رفاهاً من فضل ربٍ كريم.. محامي ناجحاً، أما رد الجميل من العراق لحداد، فهو تسريحه من المحكمة الجنائية من دون تقاعد.. مجرداً من مستحقاته الوظيفية.. ولم يبالِ.. لم يبالِ لأنه إشتغل إيماناً بالله وولاءً للعراق وإخلاصاً للشعب “لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً”..
أدى واجبه، ولم يستوفِ حقوقه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ الإجابة: من يتقي الله يجعل له الله مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، واعداً: سيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
تفرغ للمحاماة، غاضاً الطرف عن تقاعده وما يستحق من مكانة رسمية.. الله حسبه متوكلاً عليه.. نعم المولى ونعم النصير.