معيار تقييم الأنظمة الرسمية عالميا يتجسد في مدى تعاملها وصيانتها لحقوق الانسان والتمسك بالثوابت الإنسانية التي تحمي حقوق الفرد والمجتمع، وتلبية المتطلبات والحاجات في العيش بكرامة وحرية في بلدانهم، ومن خلال هذا المقياس، يمكن قراءة مستوى قرارات الحكومات إن كانت في خدمة شعوبها أم تتجاهلها.
غالبا ما تطالعنا البيانات والتقارير الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية والراعية لحقوق الانسان، تعطي تقييما لأداء الحكومات، إزاء رعاية حقوق شعوبها من حيث عدد السجون وأعداد السجناء أو النزلاء، ومستوى الرعاية المقدمة لهم من نظافة المكان واسلوب التعامل، ووجبات الطعام ونوعياتها وكمياتها، وعدد الزيارات لذويهم، وربما هذه قضايا أصبحت من البديهيات، لكن ما هو أهم من ذلك من الحالات التي بدأت المنظمات الراعية لحقوق الانسان تركز عليها، هي قضايا الانتهاكات التي تحصل في بلدان الحروب والعنف والنزاعات بين الدول، أو بين الجماعات الداخلية من قبيل الحروب الأهلية وعلى شاكلتها.
تداعيات الغزو
في العراق من المؤكد أن تداعيات الغزو والاحتلال الأميركي في 2003 أفرزت تفاصيل من انتهاكات حقوق الانسان ما يندى لها الجبين، ويشيب لها الولدان، فالتفاصيل عميقة وعديدة ومتشعبة ومعقدة، مارست فيها قوى الاحتلال الدولي وأدواته أفعال مشينة وجرائم حرب لا حصر لها، وربما من مخلفاتها وجود عدد كبير من السجناء في المعتقلات، كما هي الأخرى اقترفت أدوات المحتل، ونفذت جرائم وانتهاكات إنسانية خطيرة، إضافة الى جماعات العنف الإرهابي والمليشياوي والمخابرات الدولية المتصارعة جرائم لا حصر لها، فجميعها حصلت على أرض العراق، وحصيلتها معاناة شعب العراق بكامله. والتساؤل المطروح هل تسود السجون العراقية سلوكيات العدالة أم الاضطهاد، وهل جميع السجناء مدانين؟ والأمر لا يقف عند هذا الحد، ربما أبرز إشكالية تتصدر اهتمامات الشعب العراقي والمنظمات الإنسانية الدولية، مصير المغيبين قسرا؟ وهذه التساؤلات مطروحة على الحكومة العراقية التي يرأسها السيد محمد شياع السوداني الذي شغل قبل سنوات وزير حقوق الانسان، ومن المهم” تشكيل لجنة عليا ” بكامل صلاحياتها، وإنسانيا لا بد أن يحسم موضوع المغيبين قسرا في جميع مناطق العراق، وانصاف عائلاتهم، وهو نهج لا يقدم عليه سوى من هو قريب من معاناة الناس وتعيش في عقله ثقافة حقوق الإنسان، ولديه القدرة في اتخاذ القرارات التي تحسم ملف شائك، ومعقد في كل ورقة منه حق مواطن منتهك، وربما انسان أودع السجن بوشاية كيدية.
{ كاتب وأكاديمي