المواطنة تعني عدم التمييز بين الناس على أساس العرق والنوع الاجتماعي والدين والمذهب وغيرها ، واذا سادت المواطنة تحقق العدل ، والعدل أساس الملك ، فالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي مرهون بالمواطنة ، وتاريخ بلادنا الحديث الملطخ بالدماء والمثقل بالسواد والمكتظ بالثكالى ، ما كان له أن يكون بهذه الحال لو تربّينا على مفاهيم المواطنة ، وأشعنا قيمها السامية ، وحققنا لها تجسيدا في الواقع ، وبذلك نكون قد عبرنا عن روح رسالات السماء التي يتشبث البعض بالدفاع عنها ، والوصاية على الناس بدواعيها ، فجوهر الأديان يكمن في المواطنة ، والحريص على دينه ومذهبه عليه أن يعمل ما بوسعه من أجلها ، ليس قولا فحسب ، بل يقرنه بالعمل المخلص ، وهكذا يُفترض أن يكون الحجر الأول في بناء الدول ، وباعوجاجه لا تظن للبلاد استقرارا وللسلم المجتمعي تحققا وللناس عيشا مطمئنا .

ويفترض بمن يتصدى لإدارة البلاد أن يكون الأكثر ايمانا بالمواطنة من غيره ، والا فإنه أبعد ما يكون عن القيادة ، فالقيادة الحقة تعني الارتقاء بالبلاد وحفظ مصالحها والاستعداد للتضحية في سبيلها ، والحكم بين الناس بالعدل ، وتوفير احتياجاتها بحدود الممكن ، وبما تسمح به الظروف والامكانيات ، هذه دواعي القيادة بحسب الافتراض . وكل ما خرج عنها ليس من الوطنية بشيء . فالوطنية شعور بحب الأهل والوطن ، وماذا يتبّقى منها اذا فضّلت نفسك على شعبك ، او غلّبت مصالح الغير على مصالح بلدك ؟ .

وتفضيل المسؤولين لأنفسهم على غيرهم نوع من التمييز الذي يقف بالضد من المواطنة ، ويقلل من شأنهم بنظر شعبهم ، ويرسم عنهم صورة سلبية لن تُمحى من الذاكرة مدى الدهر ، ولن يظلوا في مواقعهم الا بالقسر والاكراه ، ومعروف ان حبلهما قصير ، ولابد له أن ينقطع يوم ما ، بينما تفضيل الناس للمسؤول يعني رفعه فوق الرأس ، ما يجعل منه رمزا ، وفي ذلك ديمومة المنصب ان كان موظفا ، او انسانا محترما بوصفه نموذجا .

لن يقدم للوطن شيئا من فضّل نفسه على أبناء شعبه ، فلا يمكن للمسؤول الذي يتشافى في الخارج أن يبنى مشفى في بلاده ، ولا يمكن أن يعمل على اصلاح منظومة التعليم من يبعث ابنه للدراسة في الخارج للحصول على فرصة تعليمية أفضل من المتاح في الداخل ، قد نعطيه هذا الحق لو كان خارج المسؤولية ، اما وهو في داخلها ، فذلك غير مقبول اطلاقا .

من المحزن جدا أن يموت المئات من البشر بسبب عدم توافر العلاجات ورداءة المشافي وتراجع خدماتها ، بينما هو وأفراد أسرته يتلقون العلاج في أرقى مستشفيات العالم ، والكارثة عندما تكون تكاليف العلاج مدفوعة من خزينة الدولة ، فلم أسمع منذ عشرين عاما ان مسؤولا رقد في مستشفياتنا لتلقي العلاج ، باستثناء تلك التي تأتي كحالة طواريء لأيام معدودات ريثما ترتب أمور سفره .

ومع ان أشكال تمييز المسؤولين عن أفراد المجتمع كثيرة ، ومن بينها السفر لأغراض السياحة والتجميل وغيرها ، روى لي أحد العاملين في المطار ان أحد المسؤولين تكاد تكون سفراته الى لبنان شهريا ، بالتأكيد هناك العديد من أمثاله ولبلدان أخرى ، وبصرف النظر ان كان سفره على حسابه ام على حساب الدولة ، لكني أفترض ان سفر المسؤول أثناء توليه لمسؤوليته يأتي لأغراض عامة وبعلم الحكومة وموافقتها ، لذا أدعو رئاسة الوزراء لاتخاذ قرار بمنع سفر أي مسؤول في السلطات المختلفة للدولة لأغراض خاصة ، وعدم السماح لأبنائهم بالدراسة خارج العراق طالما هم في الخدمة العامة ، ومن شأن هذا القرار وغيره ربط مصالح المسؤول بمصالح الناس ، فعندما يعرف انه سيرقد في المستشفى المحلي عندما يمرض عند ذاك يفكر جاهدا في تحسين مستشفياتنا ، وهكذا في جميع المجالات ، نريد للمسؤولية لا سيما تلك التي تندرج في اطار الدرجات الخاصة أن تكون حقا تكليفا وليس تشريفا او بوابة للتمييز والتسلط على الناس ، او فرصة للوجاهة والنفوذ .

[email protected]

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *