الكاتب ابراهيم المحجوب

 

 

ترافقنا منذ الطفولة اشعار حفظناها على ظهر قلب ربما لأننا من واقع ريفي وتكون اجواءه متأثرة بتلك الانواع من الشعر مثل العتابة والزهيري والنايل والسويحلي واحيانا نمط الشعر الشعبي او البدوي وغيرها من الموروث الثقافي
ومازالت عالقة بأذهاننا قصص كثيرة ترمز الى شخصيات اجتماعية مرموقة استطاعت من خلال ظرفها الخاص كتابة بيت من العتابة او زهيري او غيره ومازال المطربين الريفين الذين اجادوا العزف على اوتار الربابة مع ابيات العتابة الاصيلة موجودين في ذاكرة كل جيل ريفي فمن منا لا يعرف الملا ضيف الجبوري رمز العتابة الاول والذي وضع لحن مميز بأصابعه الذهبية وربما لوكانت وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الموجودة في عالمنا اليوم منتشرة في عهدهم لوصلت شهرة اصواتهم الى كل بقاع الارض..
لقد كانوا يبحثون عن العتابة والتي يسمونها بالسمينة فيقول هذا بيت عتابة سمين وثمين وانا اليوم اتكلم في مقالتي هذه عن هكذا بيت عتابة ثمين جدا جدا قاله المرحوم درويش الخضر العابد السلطان وهو من اهالي منطقة جنوب الموصل من عشيرة العميري العجلاوية الهيچلية الجبورية… وان تفاصيل وصياغة مفرداته

له دلالة على قدرة قائله ومؤلفه ومن خلال متابعتي كونني ابن الواقع الريفي اسوة بملايين المستمعين تأثرت بهذا البيت كونه يحمل معاني قصة واقعية معروفة مع بلاغة القائل ومدى دقة المعنى وحرص مؤلفه على ذكر الاسماء رغم صعوبتها واعطاء كل اسم صفة تتفاخر به صاحبته وعندما تسمع عزيزي القارئ وخاصة اذا كنت من المتذوقين لهذا اللون من العتابة فانك تجد البلاغة وصياغة المفردات بطريقة يعجز الشعراء احيانا عن صياغة مفرداتها
حيث يقول:-
يدله الدلت الريمات عالماي
وبرگه البيرگ المنشور عالماي
يرشده الشيهت رشدي عن امي
ونوفه نوف علفن العصاب
وقصة هذا البيت ايها القارئ الكريم ربما تعود لزمن قبل اكثر من مئتان عام حيث كانت العرب تسكن على ضفاف وادي الگصب الممتد من سنجار غربا الى ناحية الشورة والقيارة جنوب الموصل كونه يقع على اراضي زراعية خصبة ولكن حاجة الناس لبعض الامور المعاشية وخاصة الماء تتم عن طريق النقل من نهر دجلة بواسطة الدواب وبما ان المرحوم من سكنة القرى الواقعة على ضفاف النهر رأى جملة من النساء وهن يحملن معهن الجربة او الدلو لنقل الماء وكان يطلق عليهن تسمية الملايات اي ناقلات الماء ولشدة جمالهن تعلق قلب الشاعر بهن وبعد السلام تعرف على اسماءهن وبسرعة بديهية اطلق بيت العتابة اعلاه على دلة وتبدوا الجميلة جدا وبرگه ورشدة ونوفه وقد شبههن بالريمات اي غزلان البراري فيا لدقة الاصابة بالهدف ويا لهذا الفطحل الجبوري والعشق البريء بهذه الفصاحة وسرعة البديهية… وللعلم هو ايضا قائل بيت العتابة الذي ردده المرحوم علي العيسى واخذت شهرته في زمانه ويقول فيه:-
نسف جعدوا على المثنين تابان
عنايا كاشف عن الصدر تابان
عبالي من وزر مجنون تابان
مناح البيض من شيل الخطا
رحم الله العم درويش الخضر العابد السلطان وهو جد ابناء العلي السالم والذين مازالوا بارعين بالشعر والادب والطب ومنهم الدكتور مفتاح والشاعر الكبير ابوكوثر والاستاذ سعود…
تحية لكل نابغة استطاع توثيق وقول الشعر بأنواعه دون دراسة او الذهاب الى اكاديمية علمية…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *