الكاتب فالح حسون الدراجي
حين وقفت عصابات داعش الإجرامية على أسوار بغداد العام 2014، بعد أن دنست بأقدام مجرميها أرض العراق الطاهرة، وهشّمت بمعاويل الظلام والجهل والكراهية، مرايا الفرح والجمال في بيوت أربع محافظات عراقية، وحين نادى السيد السيستاني، وأطلق فتوى الجهاد الكفائي الشريفة، داعياً العراقيين دون استثناء للتوجه الى مقاتلة الخارجين والكافرين بالدين والحق والجمال والانسانية، وطردهم من ارض العراق وتطهير مدننا من دنس الأشرار ، لم يمضِ لتلبية النداء أبناء الشيعة فقط، ولم يستجب للفتوى الشريفة أبناء محافظة عراقية معينة، إنما هبّ العراقيون كتفاً الى كتف، وبندقية مع بندقية، لمواجهة الأشرار المدججين بأحقر انواع الكراهية والبغضاء والحقد الأسود، والقادمين من كهوف الجهل والتخلف والظلامية، فكان الشيعي والسني العراقيان السومريان، يقفان سوياً في الصف ذاته مع المسيحي ابن الحضارة الكلداشورية، كلّ يحمل سلاحه الشخصي، متصدياً بعراقيته ووطنيته وكرامته، متخطياً كل أسلاك التفرقة والعزل والتمييز، ليصلّون جميعاً صلاة الجهاد والعزة والتحرير.. وهنا، يتوجب علينا أن لا ننسى أن مناسيب الدم الشيعي الفادي والمضحي، كانت ومازالت الأعلى ارتفاعاً، سواء في معارك تحرير المحافظات الغربية من دنس الدواعش، او في حجم التضحيات الوطنية المتواصلة حتى هذه اللحظة، مع التذكير بأن منسوب الدم الشيعي كان هو الأعلى في الماضي والحاضر وربما في المستقبل أيضاً.. وهذا ليس تحيزاً، أو منةً طائفية أو تشدقاً في كلامي، كوني عراقياً شيعياً، إنما هو اعتبار شرفي، وحق لازم ذكره، تقديراً لهذا المذهب الشريف، ولأبنائه البررة، مع الإشادة الدائمة بتضحيات العراقيين الآخرين من مختلف المذاهب والأديان والمدن والقوميات..
وحين تأسس الحشد الشعبي، فهو لم يأتِ من (فوق)، ولم يتأسس بقرار سلطوي، أو بأمر ديواني، إنما تأسس بقرار الشعب كل الشعب، وكان قانونه الأوحد: الحرية أو الشهادة!
لذلك تم تطبيقه بمقبولية فائقة، وبرضا نفس زكية، وتحققت إجراءاته دون ملل أو كلل، أو إجبار.. فهو قرار شعبي عفوي ، وفتوى تشبه التقديس، فضلاً عن أريحية التعاطي معه، فمثلاً تخلى المقاتلون عن (شيء) اسمه (الإجازة)، أو موضوع اسمه (الراتب)، أو حتى الانصياع الى فكرة الحضور في المناسبات الاجتماعية كالزواج أو المرض، أو حضور مجالس الفاتحة، أو غيرها، لقد تفرغ وانصاع المجاهدون الأحرار في فصائل الحشد، لفكرة واحدة، اسمها الحرية، وعنوانها التحرير، وسلاحها الصبر والمقاتلة، وهدفها الكرامة والشرف.
نعم، لقد انخرط العراقيون شيعة وسنة ومسيحيين وإيزيديين ومندائيين في صفوف الحشد الشعبي، الذي أصبح بدمهم (مقدساً)، واستشهد فيه خيرة شبابنا.. لقد رأينا شاعراً جميلاً فاتناً في الشكل والخلق والموهبة اسمه ( علي رشم)، يحمل بندقيته وقصيدته معاً، ويمضي بهما لمواجهة داعش في جرف الصخر، لتتحول بدمه وبامتياز الى (جرف النصر)، وهكذا يستشهد (ابن رشم) إرضاءً لغيرته وكبريائه وشرفه، رغماً عن أنف محبيه جميعاً!
واليوم، حيث يواصل حشد ( علي رشم) وكواكب الشهداء المعطرين بأريج دمائهم الزكية، معارك الشرف من مدينة الى اخرى، ومن قرية الى قرية، ومن جبل الى جبل، ومن بستان الى بستان، وهم يتنقلون بين أراضٍ عراقية دون أن يرفعوا رؤوسهم لمعرفة أية مدينة هذه التي يقاتلون لحمايتها، وأية قرية سيستشهدون دفاعاً عن أطفالها ونسائها وشيوخها، فالحشدي لا يريد أن يعرف مذهب هذه القرية، أو دين هذا البستان، فالمقاتل في الحشد، من كوكب آخر، كوكب يقدس العراق فحسب، ويسقي بدمه كل أرضه دون تمييز..
لقد أردت اليوم، ومثل كل يوم، أن أرفع قبعتي لحشدنا الجميل، بل وأن أنحني له، احتراماً لتضحياته، واعتزازاً بدماء شهدائه، رغم انزعاجي من أمر يشتغل عليه الأعداء، و (بعض) الأصدقاء، فالأعداء يحاولون بكل قوة تشويه سمعة الحشد، وإلصاق تهم ظالمة بحقه، ليتسنى إسقاطه كي لا يظهر لهم مرة ثانية ويدحرهم كما دحرهم في معارك التصدي والتحرير..!
أما الأصدقاء – وهذا أكثر ما يزعجني في الأمرين معاً – أن بعضهم يدعي – من باب الفخر – أن الحشد يد الطائفة الضاربة، وسلاح المذهب الفتاك، وبعضهم يدمج عنوان الحشد الشعبي الواسع والكبير، مع عنوان ( الإطار التنسيقي) المحدود- وفي هذا ظلم كبير للمذهب والطائفة والحشد سوية.. فأنا أرى أن العراق وابناءه جميعاً هم يد المذهب، وسلاح الطائفة، إن تعرض المذهب أو الطائفة الى عدوان، وبالمقابل فإن الحشد هو اليد الضاربة – بعد الجيش – للعراق كله، وهو سلاح العراقيين كلهم إن تعرضوا الى عدوان..
نعم، فالحشد هو حشدنا جميعاً، لذا أرجوكم وأتوسل اليكم أن لا تحشروا الحشد في زاوية الطائفة، أو في خانة ( الإطار التنسيقي) الضيقة مع جل الاحترام والتقدير للطائفة، وللإطار التنسيقي، ولكل ( الإطارات) الأخرى !