الكاتب احمد الحاج

 

 

طفل جميل عمره خمس سنين اسمه ريان،سقط عرضا في بئر موحشة وظل حبيسها لخمسة أيام متتالية فأيقظ بسقوطه ذاك شعوبا..أحيا ضمائر..عصف بأذهان..فتح أعينا ..فضح أنظمة ..أذاب فوارق ..تخطى حدودا..وحدَّ كلمة..رص صفوفا..فرض تعاطفا..أطلق دعاءا ..إستدر دموعا..لقن أمة متفرقة،وشعوبا متقاطعة،وحكومات متنافرة،وطوائف متشاحنة، ومكونات متناحرة،دروسا رحمانية وإنسانية بليغة ستظل عالقة في الوجدان فضلا عن الذاكرة ولن يطويها وعلى مر السنين وبالتقادم نسيان وخلاصتها”كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس”،ثم وعلى حين غرة وكملاك بأجنحة بيضاء فارقنا في الخامس من شباط ليوارى جثمانه الطاهر الثرى في الخامس من رجب محلقا الى روح وريحان، ويغادرنا الى رب رحيم راض عنه بإذنه تعالى غير غضبان ..ورحل !
وأقول للجميع اذا كان حبيس البئر،وأسير الجب،الطفل ريان،قد مات ولم تنجح عملية إنقاذه برغم الجهود الحثيثة التي بذلت لأجلها ،فعلينا منذ اللحظة أن نشمر عن ساعد الجد لإنقاذ ملايين الأطفال من أشقاء ريان،من نظراء ريان،من أشباه ريان المحبوسين في جب الفقر،المأسورين في بئر الجوع والخوف والتشرد والاعاقة البدنية والذهنية والحسية علاوة على التوحد والسرطان والتشرد والنزوح واللجوء والمرض ..!
ريان ليس واحدا في بئر ياقوم ..ريان مئات الملايين من الأطفال المأسورين في قعر البئر،في بطن الحوت، في قاع الجب ،إنه اختبار حقيقي لنا على إختلاف ألواننا وخلفياتنا وأوطاننا وقومياتنا ، إنها رسالة صارخة للشعوب المسحوقة،للشعوب المهمشة ، للشعوب المحشورة في جب،للشعوب المأسورة في بئر معطلة كي تنهض وتحيا وتتعاضد وتتآلف وتتراحم فيما بينها قائلة للقاصي والداني “ها آنذا ..وليسمع العالم “ولاسيما لتلكم المخلوقات البشرية-الحجرية قلبا وضميرا وقالبا، الصنمية مخبرا وجوهرا، تلكم الأصنام التي تعيش متنعمة لوحدها بثروات بلادها ،تتمطى مرفهة فوق الحرير من دون شعوبها بخيرات أوطانها ودونها أسلاك شائكة وخنادق وحجب وعسس وحاشية وخدم وحشم يتكاثرون بالانشطار في كل حديقة غناء،وبكل قصر مشيد !
رياااااااااان ليس واحدا …
ريان مئات الملايين من الأطفال المحاصرين والخائفين والجائعين والمرعوبين القابعين في قعر بئر موحشة وفي قاع جب مظلم بإنتظار من ينقذهم عاجلا غير آجل !
وهكذا وبعد أن فشلت عملية إنقاذ الطفل ريان فيما كان العالم يحبس أنفاسه بإنتظار اللحظة الحاسمة والمفرحة، والكل يتمنى من شغاف القلب أن يكتب لعملية الانقاذ تلك النجاح الباهر ليعود الطفل الى أحضان أمه سالما غانما بعد محنة وعذاب كي تقر عينها ولاتحزن ، واذا بالعملية التي إستغرقت خمسة أيام بلياليها تفشل فشلا ذريعا لنجدته وإسعافه وإنقاذه ،أقول وبعد فشل العملية لابد ان نحظ الخطى قدما لإنقاذ أشقاء ريان ونظرائه من الأطفال المحبوسين في بئر اللوكيما والثلاسيميا وفقر الدم الحاد والتوحد ومتلازمة داون والعمى والصمم والبكم والشلل النصفي والرباعي وضمور العضلات الشوكي وانسداد الأمعاء والسكري الولادي من النوع الأول من دون أن تمد اليهم الأيدي التي إمتدت الى ريان !
علينا المسارعة بإنقاذ ملايين الأطفال المصابين بتشوهات الأجنة بفعل الجهل وتلوث البيئة والاحتباس الحراري وتغير المناخ والغازات السامة والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والجرثومية واليورانيوم المنضب والفسفورالأبيض الذي ألقي ويلقى بالأطنان فوق رؤوسهم داخل المدن المحاصرة من دون أن يتباكى عليهم من تباكوا على ريان !
إنقاذ ملايين الأطفال المحبوسين في جب الجوع والخوف والنزوج والتشرد والفقر والعنف الأسري والاختطاف والاغتصاب والتسول واليتم والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال وتجار الأعضاء البشرية وعصابات الجريمة المنظمة والمخدرات من دون أن تكتب عنهم الأقلام التي كتبت عن ريان !
لإنقاذ ملايين الأطفال المحاصرين في سورية واليمن وليبيا والصومال وبورما وتركستان الشرقية وغزة العزة من دون أن ترصدهم وتتناقل أخبارهم ولو بالحد الادنى الفضائيات التي تناقلت وغطت بكثافة قل نظيرها أخبار ريان !
لإنقاذ ملايين الأطفال المحاصرين وسط السيول ..وسط الثلوج ..وسط الفيضانات ..وسط العشوائيات ..وسط الأماكن التي تشهد نزاعات مسلحة على أسس عرقية أو طائفية أو قومية ..الاطفال داخل قوارب الهجرة المطاطية التي تمخر عباب بحر لجي مليء بأسماك القرش ماله من قرار !
إنقاذ ملايين الأطفال اللاجئين مع أسرهم في كامبات اللجوء،في العشوائيات، في بيوت الطين ،في الخيام،في الفيافي والقفار..!
ريان ليس طفلا واحدا يقبع في جب … ريان ليس طفلا وحيدا ينام جائعا في بئر..ريان ليس طفلا وحيدا عاش وسط ظلام دامس استبد به الشوق الى حضن أمه الثكلى والى أبيه الذي جفت دموعه في المآقي وابيضت عيناه من الحزن عليه، في وقت كان يرقب مأساته أمراء وسلاطين وملوك ورؤساء وساسة وتجار ورجال أعمال وفنانون بإنتظار أن يجيركل منهم عملية انقاذه لصالحهم ، ليوظفوا نجاته في حملاتهم ، ليزيدوا من واردات حفلاتهم ، داخل قصور وعلى خشبات مسارح ، وخلف أسوار وزجاج مضاد للرصاص ومواكب طويلة وجدر!
ريان أنموذج لمئات الملايين من الأطفال المحاصرين والمعذبين والجائعين والخائفين والمسحوقين والمشردين والمشوهين ممن يتوجب إنقاذهم في حملات شعبوية فاعلة ومتواصلة لاتتوقف ابدا وبأسرع وقت ممكن كتلك الى لبت النداء لإنقاذ ريان ،عاجلا غير آجل !
كنت وأنا أتابع طيلة الأيام الماضية عملية إنقاذ الطفل ريان أستحضر في كل ساعة “قصة انقاذ الطفل يوسف عليه السلام من غيابت الجب التي ألقي فيه على يد أشقائه غدرا …كنت استدعي قصة الشاب يوسف عليه السلام الذي ألقي في ظلمات السجن وخلف قضبانه من قبل الأغراب ظلما ..حلم يوسف وجبه وسجنه وصبره وتقواه وإحسانه حلقا به في نهاية المطاف وبفضل الله سبحانه وحده الى أعلى عليين فصار سيدا على كل من غدروه وظلموه وخذلوه، وعلى كل من تآمروا عليه على سواء وصار وزيرا في قصر بعد طول ظلم وغدر ..كذلك حال الشعوب الصابرة والمحتسبة والمحسنة والمتراحمة والتي يتحتم عليها أن تتعلم من دروس الحياة ما ينفعها وتبرأ بنفسها عن كل ما يضرها ويضعفها ويقصيها ويهمشها ، فاذا ما تراحمت واتحدت وتآلفت حازت حسن العاقبة في الدنيا، وفازت بعقبى الدار في الآخرة !اودعناكم اغاتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *