لطالما معروف إن من أساسيات عمل الصحفي والإعلامي، في جميع المؤسسات الصحفية والإعلامية التي يمكن أن يعمل بها، هي جمع المعلومات والبيانات ( المصادر ) والوثائق والأدلة ذات الصلة بأي موضوع، على اختلاف أنواعها وأهميتها، وتقديمها إلى المتلقي من الجمهور، لغرض صناعة محتوى صحفي معين ورصين.

وعادة ما تسمى تلك ب ” الصحافة الإستقصائية “، والتي تعتبر مصدرا رئيسيا للمعلومات والبيانات، والمعنية بإجراء تحقيق صحفي في موضوع ما، مثل كشف ملفات الفساد السياسي، أو ملفات الفساد الإداري لدى المؤسسات الإدارية والمصارف والشركات، أو كشف الجرائم الخطيرة كالمتعلقة بأمن الدولة، والتي قد تؤدي إلى الضرر العام، ويكمن ذلك بالبحث والإجتهاد والسعي لجمع معلومات سرية مهمة، حول تلك القضايا والموضوعات، والتقصي لمعرفة الحقيقة حولها . إلا أننا اليوم من خلال ما نشاهده أو نلمسه في عملنا، بأن نوع الصحافة الإستقصائية في إعلامنا العراقي، لم تعد تأخذ حقها أو لم تأخذ طريقها الحقيقي في العمل، ولربما يأتي ذلك لأسباب متعددة ومنها السياسة التعسفية التي تتبعها السلطات الحكومية في الدولة العراقية، والتي لا تتيح المساحة الكافية للصحفي والإعلامي العراقي في القيام بواجبه، عبر جمع المعلومات المطلوبة على مدى اختلافها، وتقديمها إلى المتلقي، سواء أكان ذلك مرئيا أم مسموعا أم مقروئا، مما يجعلنا نتسائل حول وجود تلك القيود الصارمة التي تفرضها الدولة على الصحفيين والإعلاميين في العراق، وعن أسباب ذلك ؟!

وعلى سبيل المثال، نلاحظ إن الصحافة والإعلام العراقي اليوم وحتى في الأمس القريب، لا يستطيع تغطية بعض القضايا الإجتماعية والتي تلامس المجتمع العراقي وتخصه، ومنها إنموذجا قضية ” السجناء والمعتقلين العراقيين “، فلا يمكن لأية مؤسسة إعلامية أو صحفية أن تصل إلى مبنى السجون العراقية ومراكز التوقيف في مختلف أنحاء البلاد، وتجري تحقيقا استقصائيا، عن قضايا السجون والسجناء وما يحصل معهم، وما يعانوه لسنوات طويلة داخل تلك السجون والمعتقلات، لا سيما وإن بعض أولئك السجناء قد يكونوا معتقلين لعدة سنوات، دون أن يصدر أي حكم قضائي بحقهم. وعلى الصعيد نفسه نذكر عندما يتم رفض إدخال الهاتف النقال، لأي صحفي وإعلامي عراقي، داخل جميع مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية، وداخل وزاراتها فيتم سحب الهاتف منهم عند الدخول إليها، وهذا بحد ذاته يشير لنا إلى مدى قلق المسؤول العراقي من الدور الذي يمارسه الصحفي والإعلامي من نقل المعلومات وتقديمها إلى المتلقي من المجتمع . ومن الجدير بالذكر أيضا أننا اليوم نشاهد بعض البرامج التلفزيونية ” الإستقصائية ” العراقية، قد أخذت تعرض وتقدم من قبل خارج البلد، كبرنامج ” ستوديو التاسعة ” الذي يقدمه الإعلامي العراقي أنور الحمداني، أو كبرنامج ” البشير شو ” الذي يقدمه الإعلامي العراقي أحمد البشير، والذي أخذ الأخير في طرحه طريقة النقد الساخر، بالإضافة إلى تناوله عرض بعض قضايا شبهات الفساد السياسي والإداري لبعض المسؤولين العراقيين. وإن تقديم مثل هكذا برامج ناقدة أو برامج استقصائية من خارج القطر، وهجرة مقدميها إلى خارج العراق، إن دل فهو يدل على حجم القيود المفروضة على الإعلام العراقي، عبر سياسة تكميم الأفواه وعدم السماح بتقديم المعلومة الحقيقة إلى المتلقي العراقي، ما جعل الصحفي والإعلامي الذي يعيش داخل البلد، يهمل الكثير من المعلومات والبيانات المهمة، ويحجب تقديمها إلى الرأي العام، ولا يأخذها بعين الإعتبار والإهتمام، وذلك خوفا من القمع والإستهداف والقتل، الذي ربما يطاله في حال إن قدمها وتناول عرضها .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *