تربط الشعب العراقي برياضة كرة القدم, علاقة خاصة, فهي تتعدى كونها رياضة فقط وهذا ما لوحظ في بطولة خليجي 25 لعام 2023 التي اقيمت في محافظة البصرة بعد اخر بطولة خليجي استضافها العراق في عام 1979. ولأسباب سياسية لم تُقام بطولة في جمهورية العراق منذ اكثر من اربع عقود وتوتر العلاقات بين جمهورية العراق ودول الخليج بين حين وآخر, ودون الخوض في التفاصيل السياسية, لكن بطولة خليجي البصرة 25 حققت ما عجزت حكومات عن تحقيقه, والفضل يعود للشعب العراقي الذي ساهم بالدرجة الاساس في نجاح البطولة. من خلال مواقف بسيطة عبر بها الشعب عن حبهم للحياة لكنها حققت صدى واسع على مستوى العراق والخليج والشرق الاوسط وحتى العالم.
ان حفاوة استقبال العراقيين وبالتحديد البصراويين, كوّن البطولة اقيمت في محافظتهم الفيحاء, كان له اثر جميل في نفوس القادمين من دول الخليج, فكلما صادف البصراويين, عرب خليجيين قابلوهم بعبارة (اهلاً وسهلاً), وعبارة (عين غطا وعين فراش) خاصة بعد ان حُجزت جميع الفنادق من قبل الوافدين وما كان من البصريين الا ان استقبلوهم في منازلهم, بفرح وسرور, وكرم لا يمكن ان يوجد في اي بقعة بالعالم غير العراق, دون مبالغة وتعصب للبلد, لكنها شهادات كثيرة لأناس زاروا العراق من مختلف انحاء العالم ومنذ سنوات وحتى اليوم وفي اصعب الظروف الاقتصادية التي كان يعيشها العراق, بقي كرم الشعب صفة سائدة في المجتمع العراقي, والكثيرين من الشعب يعتبرون صفة الكرم شجاعة والطيبة قوة وليست ضعفاً.
في لغة المنطق والارقام, ان لمثل هكذا بطولات اثر ايجابي للبلاد على المستوى الاقتصادي بشــــكل كبير من حيث توفير فرص عمل لكثير من الناس خاصة فئة الشباب, لهذا بلدان عدة تستغل هكذا بطولات لأنعاش السياحة في بلادهم من خلال توفير فرص والترويج للسلع المحلية وبيعها وتحقيق الارباح المادية من خلال وسائل النقل والخ.
الا ان الوضع في العراق مختلفاً فالكثير من العرب خرجوا من البلاد بعد انتهاء البطولة دون ان يصرفوا اي مبلغ بحسب ما ورد على ألسنتهم في القنوات الفضائية خاصة الرياضية, لما وجدوه من كرم ورفاهية ومحبة عميقة, وهذا بُعد انساني ووجه اخر لرياضة كرة القدم ورسالة اراد العراقيون ايصالها للعالم بأنهم شعب يحبون الاخرين.
لقد كان لمنظر الالاف من الجمهور الحاضر منذ ساعات الصباح الاولى لتشجيع المنتخب العراقي وقبيل انطلاق المباراة بساعات طويلة وايضاً اضعاف العدد خارج الملعب واكتـــــظاظ الملاعب بالجماهير العراقية من نساء ورجال وحتى اطفال وكبار السن واصحاب الهمم, واحياناً في مباراة يكون العراق غير طرف فيها – تعبير عن حب العراق للحياة وشــــوقه للفرح الذي يغيب عنه دائماَ لسنوات ويعود مرة اخرى باعث الامل في نفوس شعب انهكتـــــــه الحروب, لكنه يآبى ان يموت, لأنه يتنفس الحياة.
وان بطولة كأس الخليج العربي- البصرة 25، ستبقى علامة فارقة في حياة الكثير من العراقيين وذكرى جميلة لهم ولكل عربي خليجي زار البصرة,من حيث الافتتاحية التي ابهرت العالم, وتواجد البطل حامل العلم العراقي فيها (علاء العيداني) الذي فقد عينيه في واجب الدفاع عن الوطن, وايضاً اصحاب الهمم الذين شاركوا في فقرة النشيد الوطني بجانب اللاعبين, وستبقى صورة الملاعب والساحات العامة المكتظة بالجماهير المشجعة في جميع المحافظات العراقية عالقة في اذهان الشعب, وسيتذكرون برنامج (المجلس) ومقدمه الإعلامي (خالد جاسم) الذي نقل صورة حقيقة وجميلة عن العراق مغايرة عن الصورة التي كان يبثها الإعلام العراقي, فقد قدم البرنامج المواهب العراقية بمختلف المجالات وقصص نجاح جميلة لعراقيين بمختلف الاعمار. هذه الايام الجميلة سيتذكرها العراقيون كلما ذُكر اسم البصرة وكلما تصفحوا صورهم التي التقطوها بجانب تمثال السندباد الموجود على كورنيش شط العرب, وكلما سمع العراقيون اغاني (عاش العراق ) للفنانة رحمة رياض, و(أم العراقيين) للفنان علي جاسم, واحتفال العراقيون بحصول المنتخب على كأس البطولة والقدوم به الى العاصمة بغداد وسط حفاوة الجماهير الغفيرة التي استقبلتهم على طول طريق مطار بغداد الدولي وحتى ساحة الاحتفالات. هذا هو الشعب العراقي- المُحب للحياة.