في العراق، بعد انتصار الأحزاب الطائفية التوافقية عربية وكردية، شيعية وسنية، مساوماتها على المبدأ، لاتزال الأزمة الاقتصادية ومشاكلها القديمة ـ الجديدة، تتفاقم على حساب المصالح الوطنية والشعبية، ويتكشف زيف الادعاء بإنهاء مشكلة المحاصصة وإعادة الأمور إلى نصابها وبناء البنية التحتية التي خربتها الحروب المنظمة وفساد ما بعد الاحتلال. وانكشف أمر الطبقات السياسية وادعاءاتها الكاذبة بمنح المجتمع العراقي فرص عيش أفضل، مادي ومعنوي، وبلغت الصفقات السياسية والاقتصادية السرية بين أطراف منظومة الإتلاف الحكومي (الشيعي، السني، الكردي) أعنف مما كانت عليه. وعلى ما يبدو أن” الإطار التنسيقي “الذي نجح بتشكيل حكومة محمد شياع السوداني التوافقية العتيدة، بسبب ضيق أفق “السيد الصدر” السياسي إلى جانب تأثير خارجي، أمريكي إيراني تركي، لا زال يمارس ذات النهج السياسي وأساليب النفاق والمساومات للحيلولة دون حدوث أي تغيير سياسي ملموس يستهدف عزل الأحزاب المتسلطة عن إدارة الدولة وإنهاء الصراع على السلطة والنفوذ والمال والسرقات.
تبديل قطع
وفيما يمارس السوداني “لعبة النرد” وتبديل القطع وطريقة تغيير مكانها على هوى مَن أتى به، فلازال سعر صرف الدولار مرتفعا (170 مقابل الدينار) يؤثر على معيشة المواطنين. وعزل محافظ البنك المركزي العراقي وتعيين محله المحافظ السابق “العلاق” الذي نهب المليارات وأفلست الدولة العراقية في زمنه، “كارثة محسوبة” لا يقوم بها إلا مغفل. وتؤكد التقارير الدولية على أن النفط لازال يتدفق في جميع أماكن تواجده سيما الجنوب وكردستان العراق دون عدادات ومن دون حساب أو مراقبة أو إشراف وطني عراقي، تهربه بشكل منظم مافيات مرتبطة باحزاب وساسة متنفذين. وتجري محاولات خارجية لابرام عقود مشينة لفرض إمداد أوروبا بالنفط والغاز من دون توفير الشروط اللازمة لضمان المصالح الوطنية للعراق.وتشتد أزمة البطالة لتصل إلى معدلات مرعبة ينتشر معها الخراب الاجتماعي والأخلاقي، وتتدهور الخدمات العامة بشكل لا تجده حتى في البلدان المتخلفة والفقيرة. وتتشوه الحياة العمرانية والمدنية في كل المدن العراقية، ويدخل الريف مشاكل تقنية وإنمائية وفنية ومادية لا حصر لها تقود نحو المجهول. وتكبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي الذي تمارسه جهات حزبية وسياسية وحكومية يدعمها أطراف خارجية وتعمل على استمرارها مؤسسات مافيوية تحت انظار الاجهزة الحكومية. وأصبحت المشاركة الجماعية لأصحاب النفوذ الجدد في عمليات النهب المنظم لممتلكات الدولة ومؤسساتها وعقاراتها، ظاهرة شائعة تجري بمقاييس وأساليب مروعة.
إن شعار” الحرية والديمقراطية “الذي تدعيه الأحزاب الطائفية لتسويقه خارجيا، لا يمكن أن يؤسس قطعاً تحت حراب ومظلة الضغوط الخارجية والقمع الداخلي، وهو مع طبيعة وأهداف من جاء بهم المحتل، لا ينسجم بالمطلق مع ما هو قائم ويحدث على أرض الواقع. لذلك ظل نظام المحاصصة التوافقي يتخبط بإجراءاته منذ ساعة تنصيب ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي ومن ثم تشكيل الحكومة المؤقتة، انتهاءً بالانتخابات الشكلية، التي لم تتوفر فيها شروط الحد الأدنى، السياسية والقانونية والفنية والأمنية. فيما تم إقصاء شرائح أساسية من مكونات المجتمع العراقي وتجميد الخطوات الضرورية لتفعيل العمل السياسي الوطني واستبداله بمصطلح (العملية السياسية) التي يديرها بكل تفاصيلها منظومات أجنبية، بما يتماشى ومصالحها وبمساعدة أطراف سياسية عراقية موالية، بما فيهم من شارك وعمل مع سيء الصيت (مجالس الحكم). الأمر الذي يجعل الاعتقاد بان” حكومة السوداني “من شأنها حل كل المشاكل والأزمات التي يمر بها وطننا وشعبنا، ضربا من الخيال. ويتوهم من يعتقد بأن السوداني سيتمكن الخروج من فلك (الأحزاب الطائفية) وإضفاء شرعية مزعومة على عمله الحكومي (الوزارة) في ظل استبداد سياسي محموم.
اليوم، وبعد مرور أشهر على ممارسة الحكومة أعمالها نتساءل: هل بإمكان السوداني حقا، الإيفاء بوعوده، وأهمها، مواجهة الأحزاب والميليشيات والقوى السياسية المسيطرة على الدولة ومؤسساتها وتتحكم بمصير البلد ومواطنيه؟. أيضا، القضاء على الفساد ومحاسبة قتلة المتظاهرين واسترداد أموال الدولة وممتلكاتها؟، أو إصلاح النظام السياسي وتحقيق الاستقلال الوطني وبسط السيادة على كامل تراب الوطن؟. لننتظر ما ستكشفه أخلاقيات من وعد ويتوعد!!