مجموعة بشرية تعيش على هامش المجتمعات، من يصل منها الى موقع مالي او سياسي او اجتماعي، يتبرأ او يحاول اخفاء عقيدته. وجودها مختزل في منطقة واحدة (شرق العالم العربي وايران). لها عقيدة صارمة صاغت اخلاقياتها. فالشيعة ولوقت الناس هذا ينظرون الى السلطة نظرة احتقار ودونية، وهذه النظرة ناتجة عن قرون من الاضطهاد والحفاظ على العقيدة؛ اذ كانت السلطات المتعاقبة تعمل بطرق بعيدة عن الاخلاق وتضطهد الشيعة، الامر الذي رسّخ ثقافة احتقار السلطة شيعيا. لم يكن للشيعة دولة كبيرة، وليس لديهم قوى سياسية، كانوا اقليات هامشية، فكيف تغيّر كل هذا؟!..
العراق هو المكان الذي تنطلق من خلاله تبدلات الوضع الشيعي، لعدة اعتبارات اهمها الموقع الديني للعراق ويمكن اعتبار النجف الاشرف عاصمة التشيع ووجهة الشيعة، ففيها ضريح الامام علي والحوزة العلمية التي حفظت الارث العقائدي الشيعي.
بعد العام ٢٠٠٣ ونتيجة لجهود وتنظيم كبير من قبل شيعة العراق الذين وصلوا الى السلطة، وانتهجوا النظام الديمقراطي في الحكم وفق مبدأ الشراكة. هذا الواقع مكّن الشيعة من طرح عقيدتهم بلغة عربية سليمة وتسويق هويتهم التي بانت للآخرين على انها عقيدة طبيعية خالية من التطرف ومتعايشة مع كل زمان ومكان. ومن هنا بدأت تنشأ جماعات شيعية ليس لها بعد تاريخي في دول تتبنى مذاهب تكفّر المذهب الشيعي. تلك الجماعات المنتشرة حول العالم، تبدو وكأنها معزولة عن مجتمعها، وهذا يحتاج الى جهود كبيرة من اجل كسر الحواجز بين الشيعة والمجتمع الذي هم جزء منه. لا توجد مشكلة لدى الشيعي، فهو يرغب بالاندماج ولا يطلب سوى القبول، غير انّ الآخر له تصورات متطرفة عن الشيعة، الامر الذي يعقّد المشكلة.
ثمة اشتباك بين العقيدة كمفهوم ديني قديم والوطنية كمفهوم مستحدث، فدائما ينظر الى الشيعي على انه يؤمن بالاولى ويرفض الثانية. وهذا خطأ كبير يفاقم الازمة. فالشيعة لا يختلفون عن الآخرين، فمثلا عندما يؤمن المسيحي العراقي او اللبناني بالفاتيكان، ايمانه لا يضعه بخانة الاختيارات؛ اما الفاتيكان او الوطن.. ارتباطه بالفاتيكان ديني، وبوطنه ارتباط تاريخي وقانوني وثقافي واجتماعي واقتصادي، فهو جزء فاعل في هذا المجتمع. الحال لا يختلف بالنسبة للشيعي، فالشيعة يرتبطون روحيا بالنجف، ولديهم ارتباطات ثقافية بعضهم ببعض، كما للمسيحي او للسني مثل تلك الارتباطات. ولا يذهب الشيعة، من الناحية العملية الحالية، الى تبنى نظرية إلغاء الحدود كما ذهبت اليها النظرية الشيوعية مثلا؛ انما يتبنون فكرة التقارب والتواصل بين بعضهم كما يتواصل عموم المسلمين في موسم الحج مثلا. هذه الفكرة لا تسقط الوطنية عن الشيعي. ومن هنا تنطلق نظرية “الوطنية الشيعية” التي طرحها الحكيم في مؤتمر الآفاق المستقبلية لاتباع اهل البيت (ع). مفادها ان الشيعي العراقي يختلف عن الشيعي الآخر من ناحية التفاصيل الموجودة في دولته ووطنه، وهو يتبنى مصلحة وطنه التي يشترك بها مع غير الشيعي، بينما يرتبط ويتفق الشيعي العراقي مع جميع الشيعة في العالم بالعقيدة وبجزء كبير من الهوية الثقافية.
إنّ تبني تلك النظرية والعمل وفقها، يساهم بشكل فاعل في إحداث المصالحات الوطنية والتصالح الاجتماعي وتحقيق قبول الآخر في البلدان التي تعاني من تلك الاشكالية، فضلا عن كونها تلغي الانطباع المزيف عن كون الشيعة يرتبطون بخارج الحدود او لا يؤمنون بالحدود اصلا.