تابعنا كلمتكم في مؤتمر ( الافاق المستقبلية لاتباع اهل البيت )، ونحن في الوقت الذي نبارك لكم هكذا مؤتمرات وورش من شانها ان تحرك المياه الراكدة، وتفتح الافاق لاعادة النظر في بعض المفاهيم بما يتناسب مع المتغيرات التي تعيشها المنطقة والعالم، الا اننا لدينا بعض الاثارات والملاحظات المرتبطة بالموضوع منها.
اولا: هناك خلط احيانا، او تداخل بين بعض المفاهيم، او داخل المفهوم الواحد من زاوية فقهية وسياسية وفكرية، منها على سبيل المثال مفهوم الوطن والوطنية .
تعلمون ان مفهوم الوطن فقهيا يختلف كثيرا عنه سياسيا، ولا نريد الدخول في تفاصيل هذه المفاهيم وتعاريفها، كونها واضحة لديكم ولدى الكثيرين والمقام لا يسع للدخول بالتفاصيل ايضا.
فليس بالضرورة مفهوم الوطن فقهيا يساوق المفهوم سياسيا، لهذا الحديث عن مفهوم (الوطنية الشيعية) يحتاج الى تعريف جامع مانع، يتناسب مع الوطنية من جهة والشيعية من جهة اخرى .
ثانيا: الحديث عن ( ان اتباع اهل البيت موحدون من حيث العقيدة ولكنهم موزعون على دول واوطان قائمة ومحكومة بعقود اجتماعية وسياسية خاصة بها بحسب هويتهم الوطنية ودولهم ومجتمعاتهم يتطلب منهم الاندماج في مجتمعاتهم وترسيخ هويتهم الوطنية، والالتزام بقوانينهم).
هذا الكلام يحمل في طياته مجموعة اشكاليات جوهرية تتعارض مع ثوابت الاسلام والتشيع على وجه الخصوص.
ابتداءا نحتاج الى التفكيك بين ماهو اجتماعي وسياسي، نعم من الضروري ان يندمج اتباع اهل البيت مع المجتمعات الاخرى التي يعيشون معها، مع الاحتفاظ بخصوصيتهم الدينية والمذهبية، لكن ليس بالضرورة او الصحيح ان يندمج اتباع اهل البيت مع القوانين الحاكمة في تلك البلدان والالتزام بها، وبخاصة اذا كانت تتعارض مع قيم الاسلام، وثوابت الشريعة.
ان الالتزام بقوانين الانظمة الحاكمة( الظالمة) من قبل اتباع اهل البيت تتعارض مع التشيع بكل الاحوال، وعند الالتزام بها يعني بالضرورة اننا تركنا الانتماء الى اهل البيت والتزامنا بالانتماء السياسي، وهذا لا يمت للتشيع وسيرة اهل البيت باية صلة .
يجب علينا اولا ان نحدد العلاقة بين الوطن او الدولة التي يعيش فيها اتباع اهل البيت، وبين التشيع والاسلام الذي ينتمون اليه، فالعلاقة بين الدولة والتشيع علاقة طولية، بمعنى ان حب الوطن والدولة تاتي مترشحة عن حب الدين والتشيع، وعندما تتعارض قوانين الدولة مع قوانين الاسلام والتشيع لا يبقى معنى او قيمة للدولة باي حال من الاحوال، كيف لا وامير المؤمنين عليه السلام يقول ( كنا مع رسول الله نقتل ابناءنا واباءا واعمامنا ولا يزيدنا ذلك الا ايمانا وتسليما)، فلا قيمة لاي قانون يتعارض مع كرامة المسلم وثوابت الشريعة، وان الاندماج مع تلك القوانين الوضعية التي تتعارض مع كرامة المسلم يعني بالضرورة تمثل خروجا عن تشريعات الاسلام واحكامه.
على سبيل المثال لا الحصر عندما نلزم الشيعي الحجازي بالالتزام بقوانين النظام السعودي، في الوقت الذي يقوم هذا النظام ومن خلال تلك القوانين بقتل المسلم الشيعي والسني اليمني ويهتك كرامته، فهل يبقى للاسلام او التشيع معنى ؟.
وهل يحق لنا ان ندعي الانتماء لاهل البيت وهم يقولون ( كونا للظالم خصما ولللمظلوم عونا)؟.
ان ثوابت الاسلام والتشيع معيارها ليس الانتماء السياسي او الجغرافي، بل ان معيارها (الحق والباطل، الحلال والحرام، العدل والظلم) وهذا هو المائز الاكبر الذي يميز مدرسة اهل البيت عن غيرها من المدارس الفكرية والعقائدية داخل المنطومة الاسلامية .
ثالثا: نعم لقد تحول اتباع اهل البيت من اقلية عددية وجغرافية تاريخيا الى مساحات كبيرة ونافذة تنتشر في عصرنا الراهن .
لكن يا سيدي هذا الانتقال العددي والجغرافي لم يتحقق عندما كانت مدرسة اهل البيت منغلقة على ذاتها، وباطنية في حركتها، ولم تتوسع حينما كان اتباعها مندكين مع انظمة الحكم في بلدانهم.
ان هذه الاقلية العددية والجغرافية تحولت الى امة عظيمة فكريا وسياسيا وجغرافيا، عندما ترجمت فقه وفكر ووصايا اهل البيت عليهم السلام الى واقع يتحرك على الارض، هذا الواقع هو الواقع السياسي، حيث الفقه تحول الى قوانين وتشريعات، وهذ التشريعات والقوانين خضعت لعناية واستنباطات عظماء مراجعنا الحركيين، حيث استطاعوا ان يواكبو المتغيرات السياسية ومتطلبات العصر، ويقرأوا النصوص والقرانية والحديثية قراء وفهم معاصرين، فاستطاعوا ان يعيدوا الاسلام ويجعلوا منه دولة كما اراد رسول الله واهل بيته، وكما اسسوا سلام الله عليهم تلك الدولة في عصورهم.
تحول الشيعة واتباعهم الى اكثرية جغرافية وعددية لانهم حملوا مبدا امير المؤمنين عليه السلام ( كونا للظالم خصوما وللمظلوم عونا)، فاستجاب المستضغفون لتلك الدعوة واندكوا بتلك الدولة الشيعية، فكانت حدودها من قم الى غرة، ومن جنوب لبنان الى صنعاء مرورا بكربلاء والشام.
نعم كنا اقلية مضطهدة ومظلومة عندما قيل لنا ( كونوا احلاس بيوتكم) ، وعندما فهمنا قوله تعالى ( الا ان تتقوا منهم تقاه) فهما خاطئا.
خامسا: ان التشيع عقيدة ميدانية ترتقي بالانسان فكريا واجتماعيا، فهي ميدانية في حركتها وليست تنظيرية تَرَفيّة، وعندما كانت تنظيرية ترفية في زمن ما انزوت عن الامة وابتعدت الامة عنها، اما اليوم فان التشيع حطم الحدود وعبر الجغرافية، بل وانتصر على االطائفية المقيتة، دون التجاوز على المكونات او انتزاع حقوقها . ان التشيع قد حقق ولاول مرة حالة الاندماج والانسجام والانتماء مع بقية الطوائف الاسلامية ببركة حركته الميدانية وبدفاعه عن المظلومين من المسلمين .
سادسا: نعم ان الوطنية الشيعية وطنية حقيقية، وان تجربة الشيعة في العراق مع وطنهم وحجم الدماء التي نزفت من اجل مواجهة ظلم البعث المجرم واخواته القاعدة وداعش هي ابسط دليل على وطنية الشيعة، كما ان وطنية الشيعة في لبنان اعادت الهيبة للوطن والدين في مواجهة الاستكبار الامريكي والصهيوني والغربي، وفي اليمن حيث مواجهة معركة (الاحزاب) بصدور عارية ومِعَد جائعة، وهكذا في ايران ( ام القرى) حيث التضحية بالمال والدم ورغيف الخبز من اجل الدين والوطن، وليس الوطنية الشيعية بالركون الى قوانين الانظمة الباطلة حتى يقال ان هذا الشيعي وطني وذاك ليس وطني.
ان الاندكاك والذوبان والانتماء في بلد يشرع قوانين المثلية ويسفك دماء المسلمين ويشرعن الموبقات، ويقتل النفس المحترمة ،ذلك الانتماء يساوق الشرك بالله تعالى، لقوله تعالى (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار) هود 113، والانتماء لتلك الدول هو ركون بلا دانى شك.
وقوله تعالى ( الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا اولياء الشيطان ان الشيطان كان ضعيفا) النساء 76.
فاي اندكاك والتزام بقوانين دولة او نظام يمثل الطاغوت في قوانينه واحكامه وتشريعاته؟.
ان الذين يلتزمون بقوانين دولة ظالمة ومستكبره تحت ذريعة وشعار الوطنية هم اجلى مصداق قوله تعالى ( وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون)سورة يوسف 106
ان افضل طريقة لبناء مشروع شيعي حقيقي هو ان نتوكل على الله، ونستعين باحكام اهل البيت، ونستحضر سيرهم وتعاملهم مع سلاطين الجور، وننهض لنصرة المظلومين، ونقارع الاستكبار، عندها لا يتحول اتباع اهل البيت الى مشروع شيعي وطني فحسب ، ، بل تتحول الامة الاسلامية الى مشروع شيعي عالمي، وهذا المشروع هو المشروع الحقيقي والنموذج المصغر لمشروع الامام المهدي المنتظر ( عج)