حين وقعت كارثة غرق العبّارة على نهر دجلة في الموصل قبل سنوات قليلة، غرق أكثر من مائتي انسان في دقائق، واكتشف الجميع انّ إدارة المحافظة التي تعدادها أربعة ملايين نسمة وتقع على امتداد النهر لا تمتلك سوى زورق واحد للشرطة النهرية لا ينفع في الإنقاذ. واليوم حين وقعت كارثة الزلزال في تركيا وسوريا، فإنَّ أول ما اتجهت الأنظار اليه، هو الإمكانات العملية من آليات ومستلزمات حفر لإخراج آلاف الأرواح العالقة تحت الأنقاض وهناك فرص في بقائهم على قيد الحياة. تركيا بكل ثقلها الصناعي تجد صعوبة في تغطية عمليات الإنقاذ بنفس الوتيرة والسرعة، فما بال سوريا المنكوبة بحرب طويلة استنزفت جيلا كاملاً، ولا تزال تشهد انقساماً مريراً آخر في الزلزال الذي انقسمت ضرباته وفجائعه بين مناطق المتنازعين من حكومة ومعارضة، وكلا الجانبين لا يمتلكان أي جهد عملياتي وانقاذي مؤهل للطوارئ، ولا يزال الوضع يعتمد على الحفر العشوائي والإمكانات البدائية لفرق دفاع مدني غير مجهزة بما يناسبها من عدة وعدد.
هذه الوقائع المؤلمة تسترعي الانتباه لكي يقف في العراق، كل محافظ او رئيس وحدة إدارية او وزير منذ الصباح مستعرضا إمكاناته الفعلية الكفيلة بالتعامل مع أي نوع من الكوارث الطبيعية التي لا أجل معلوماً لها، وتأتي بغتة، بغض النظر عن نوع الحكم والحكومات والسياسيين الذين يعتلون المناصب.
إذا كان هناك مَن يجد ألف عذر للسوريين الذين نكبتهم الحرب المستمرة في بلادهم، فإنه ليس هناك أيّ عذر لمَن يحكم العراق، وهو بلد تعافى نسبيا من الحروب وغني الموارد، في ان يكون هناك تقصير، مهما كان نوعه في توفير واستحضار وسائل الدعم والإنقاذ التي يحتاجها الشعب في الساعة المناسبة.
لا تزال الصورة غير واضحة عن إمكانات الدفاع المدني في العراق، إذ من الخطأ الجسيم ان نظل نتوهم ساذجين انّ مستلزمات الدفاع المدني في وزارة أو محافظة هي «سطلان» من الرمل ومعول أكلَه الصدأ منذ سنوات وخرطوم ماء، غالبا ما يكون غير مرتبط بحنفية ضخ صالحة للعمل.
يجب ان تعيد الحكومة النظر في هذا الملف الخطير، فالبلد مُعرّض في اية لحظة لكارثة ما طبيعية او من صنع البشر، كما كانت الحرائق في الصيف الماضي. ولابدّ من استنهاض مفهوم جديد للدفاع المدني له سياقات وإمكانات عملية وآلية قرار سريعة وصلات تنسيق مع المستشفيات وإمكانات الاسعاف، تتجاوز مرحلة المعول المتآكل وسطل الرمل