كلما اسمع سورة الكهف او اقرؤها، استعيد في ذهني تلك الافتتاحية المهمة التي كتبها الاستاذ ابو الطيب في انجاز المرحلة الاولى من اعادة الاعمار في نيسان 1991 عندما استعار قوله تعالى على لسان الاسكندر: (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا). ولاول مرة في افتتاحيات الصحف الحكومية في العراق ان يتم اختيار عنوان قرآني اذا جاز التعبير، فقد كان عنوان الافتتاحية زبر الحديد. هذه الايام والعمل تحت ضغط القصف، اعتقد هي من جعلت ابو الطيب (مناوراً) لايُمكن مجاراته وهو يدير مجموعة الشرقية.
آليات العمل تحت القصف
لم تكن ظروف العمل في المؤسسات الاعلامية هينة في ظل غياب الكهرباء والاتصالات، لكنه كان عملاً حقيقياً اعتمد على جهود ومهارات المححرين في الجمهورية الذين تفانوا في الاستمرار برفد صفحات الجريدة الـ 12 بالمواد الصحفية، وليس على طريقة بعض مايحدث في صحافة اليوم من نسخ ولصق.
وسأضرب مثالاً واحداً عما كان يحدث في صباحات وليالي الحرب، هو ما كان يقوم به قسم الاخبار والتقارير الدولية. ففي هذا القسم تم توزيع العمل بين اعضائه: علي الزبيدي وجياد تركي وجوزيف ملكون ونوال علي، الذين تولوا الانصات للاذاعات الدولية لاعداد الاخبار والتقارير التي يضعها الزميل نصير النهر، عصراً تحت مجهره الصحفي، ليتم اعداد الصفحتين الاولى والثانية، من خلال سكرتارية التحرير المسائي: زهير العامري وحسن كامل وعبد المطلب محمود، بالاضافة الى د. مرشد الزبيدي، وبالتأكيد كل ذلك يتم تحت قيادة المايسترو ابو الطيب.
وكان هؤلاء المقاتلون بالقلم، يكملون الصفحات الاخرى بما يقدمه محررو المقابلات صباح ناهي ولهيب عبد الخالق وآخرون، بالاضافة الى مقالات كتاب القسم السياسي، فرات الجواهري بالاضافة الى أكاديميين كانوا يتعاونون مع الجريدة.
ولم يقتصر عمل كتاب القسم السياسي على رفد صفحات الجريدة بالمقالات فقط، وانما امتد الى كتابة التعليقات السياسية للاذاعة.. فكانت الجمهورية يومها منبع مهم للمقالات السياسية للمؤسسات الاعلامية في العراق.
هكذا كان يجري العمل اليومي بين غارة واخرى في صباحات الحرب الكئيبة، ولم نجد من ملاذ كي نتناول الشاي او الافطار سوى في محل عدنان ومقهى الجماهير القريبة جدا من مبنى الجريدة.. ولم يبخل عدنان رحمه الله بشئ فهو يوفر لنا السكائر والافطار والشاي بذات اسعارها قبل اندلاع الحرب.. واذا كان عدنان يؤمن لنا ما نحتاجه نحن المتواجدون صباحاً في الجريدة، فان زملائنا في الوجبة المسائية يحصلون على الشاي من بيوت الزملاء الاخرين الذين يسكنون البيوت العائدة للجريدة والمجاورة لها، في واحدة من اروع صور التعاون والمودة.