كان الفتى حطَّاب رسَّامًا موهوبًا، عندما توفِّيَ جدُّهُ المُعمِّرُ ب عشرين عامًا بعد المائة، عاش حطَّاب فترةَ اكتئابٍ حاله حال جميع أفراد العائلة.
في صباح مشمس، بدا حطَّاب يرسم جداريةَ ( *الطيِّبون باقون*)، جمعَ فيها جدَّهُ مع مَن كانوا معه من العائلة والعشيرة والأصدقاء. رسمَ حطَّاب جداريتَهُ من الخشب المتفحِّم المتبقِّي من رُكامِ الطبخ في عزاء جدِّه.. كانت الجدارية صورةً ناطقةً للناس، بالرغم من أنَّ خطيبَ الجامعِ اعترضَ على عدم حجاب أختِ حطَّاب، و انتقد كاكا راوند عدم ظهوره بزيِّه الكردي، و عاتب أبو بنيامين حطَّابَ لأنه وضعه في حافة الجدارية..
أصبحت الجدارية الرائعة حديثَ الناسِ، حتى جاءت مجموعةٌ من الرِّفاقِ البعثيين ليَصحبوا حطَّابَ إلى الفرقة الحزبية..
كان أمينُ سرِّ الفرقة متعصِّبًا على حطَّاب لأنَّ الجدارية بدون موافقة حتى وإن كانت على جدار بيت حطَّاب، والأهم أنها فارغة من البُعد الوطني والقومي لخلوِّها من صورة الرئيس القائد صدام حسين..
تمَّ إرسال حطَّاب الى الأمن العامة مخفورًا بتهمة تحشيد الناس و المعارضة ضد الحزب و الثورة..
كانت تُهمةُ حطَّاب كافيةً ليكون في موقف سجن الخونة من رفاق صدام من أعضاء القيادة القطرية و الوزراء و المِلاكات المتقدمة في الحزب..
عند استلامه في الصباح الباكر، اصطفََّ حطَّاب مع السجناء لدخول الحمَّام، وتعرَّضَ للضرب المُبرح داخل المرحاض عندما لم يُنهِ قضاءَ حاجتهِ بعد أن عدَّ السجَّانُ إلى العشرة..
وبالرغم من أنَّ ملابسَهُ تحوَّلت إلى اللون الدموي، إلا أنه وضِعَ مع السجناء بعد تعريتهم و جعلوهم على خط واحد ليتسابقوا في سباق (أسرع كلب)، وكل سجين كان يمسك في فمهِ نعال.. ولأنَّ حطَّاب كان شابًّا يافعًا فقد فاز في السباق و أصبح (سيد الكلاب)..
تغيَّرَ وضعُ حطَّاب في يوم التحقيق، عندما رسم حطَّاب صورةَ المحقِّقِ في بضع دقائق مما أثَّرَ في المحقِّق وتعاطفَ معهُ، وأعطاه جريدة الثورة والتي كان فيها صدام بكوفيته الحمراء يحمل ابنته حلا وهو يتنقل في الأهوار..
عند وضعه في الزنزانة رسم حطَّاب صورةَ الرئيسِ يحملُ ابنتَهُ ولكن بالقلم الجاف الذي أعطاه له المحقِّق..
تمَّ نقلُ حطَّاب إلى وزارة الثقافة والإعلام ليرسم جدارية (القائد الضرورة) والتي أبهرت حلا بنت صدام قبل الرئيس نفسه.. الغريب، أنَّ حطَّاب في كلِّ يومٍ يعودُ إلى المنزل يمارسُ طقوسَ الكلبِ وسلوكَهُ..
هربَ حطَّاب إلى فرنسا عندما أرسلته الوزارة للمشاركة في معرض للفن التشكيلي، وانتقل إلى لندن..
قال لي صديق أنه رأى حطَّاب في مسابقة ( الكلاب البشرية)، وأنه لا يزال الجميع يعرفه ب (سيد الكلاب)، وأنه يأكل أكل الكلاب ويشرب بطريقتهم وينام بأوضاعهم..
لحطَّاب لوحة *(الذئاب وسيد الكلاب)* يظهر فيه كلب ينتصر على ألوف من الذئاب المرتدية الملابس الزيتونية..
اللهمَّ ارفَع عنَّا ظُلمَ الطُّغاةِ..
واجعلنا من الصالحينَ التُّقاةِ..
البروفسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي