المبادرة هي من العمل المتعدي نفعه للآخرين، ومن الصدقات الجارية لصاحبه، فإذا بادر بمشروع خيري صغير أو كبير، فله أجره ما دام المشروع على أرض الواقع، وقد تكون بعض المبادرات صغيرة، ثم مع التكاتف والتعاون تكبر شيئًا فشيئًا، فيا بُشرى أصحابها وما أهناهم.
وهناك معنى للمبادرة في الشرع وهو معنى جميل وقد يكون داخلا على العموم في المعنى الإجمالي “الإيجابية” بمعنى أن يكون للإنسان دور في الحياة ودور في خدمة الدين وخدمة البلاد والعباد؛ فإن الإسلام لا يعترف بالإنسان الخامل الذي لا قيمة له ولا عمل ولا أثر..
كذلك تقديم النفع والإيجابية للآخرين ابتداءً، فيكون الفرد في تلك الأسرة حريصًا على محاولة نفع الآخرين ومساعدتهم، وبهذا يكسب أمورًا مهمة:
أولًا: الإحسان، وهو عمل عظيم وجليل، وجزاؤه إحسان مثله من عند الله تبارك وتعالى لهذا المحسن.
ثانيًا: محبة الناس لهذا المحسن المبادر.
ثالثًا: خُلق حسن يتميز به ذلك الفرد من تلك الأسرة.
فالسنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام حافلة بالحث على المبادرات، كقوله عليه الصلاة والسلام: (صنائعُ المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات)؛ صحيح الجامع، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله)؛ رواه مسلم.
فاستثمار مثل ذلك بالمبادرات والعطاء مهم جدًّا كسبًا للخير ودعوة للغير، ونشرًا للإيجابية وإزالة للسلبية.فثمة ارتباط كبير بين المبادرة واستثمار الفرص، وكلاهما عطاء وبناء، وهما من بركة عمر الإنسان في ذكره الحسن عند الآخرين، فإذا لاحت لك الفرصة في أي مجال من الخير ولو يسيرًا فبادر، فإن الفُرص تلوح ولا تدوم، وهي للمستثمر دون المفرط، وحاول أن تعيش التطبع على استثمار الفرص.
فالمبادرات تعطي معنى التعاون بين الناس، وتُحيي روح الجماعة وتؤلف بين القلوب، وهذه ثلاث صفات رئيسية في نجاح المجتمع فلنكن كذلك.أهمية أن يكون الإنسان مبادراً يحقق مكاسب أكثر، وبشكل أسرع؛ بحيث يكون قادراً على النهوض بحياته، والارتقاء بها نحو الأفضل. يسعى نحو التغيير حتى في أكثر الأوقات ظلمة، وصعوبة، فهو شخص متفائل. يسعى نحو الابتكار، والتجديد، ممّا يدفعه دائماً إلى تغيير واقعه بشكلٍ ممنهجٍ ومدروس؛ بحيث يعود عليه ذلك بالنفع، والفائدة. تتنوّع الخيارات بشكلٍ كبير أمام المبادر، على عكس الإنسان الذي يأتي متأخراً، والذي لا يجد تنوّعاً كبيراً في الخيارات، إلى درجة أنه قد يكون مجبراً في بعض الأحيان على الرضا بالقليل الذي قد لا يتناسب مع أحلامه، وطموحاته. يمتلك الإرادة الحرّة، والقدرة على إحداث التغيير المطلوب دون الوقوع بين فكي الإملاءات الخارجية من أي جهة كانت. ينال الأجر والثواب من الله تعالى عند المبادرة إلى أعمال الخير، والبرّ، والإحسان، تماماً كما كان الأنبياء -عليهم السلام-، والصحابة الكرام -رضي الله عنهم جميعاإن من أهم ما يكتسبه المبادر صفة الثقة بالنفس والإقبال بقوة، والعزيمة الصادقة، وهذه الأشياء وأمثالها تجعل حياته ناجحة ومتميزة وفاعلة وإيجابية.ولا يلزم أن تكون المبادرات كبيرة ومشاريع عظيمة، بل هي متنوعة ومتشكلة، فمنها الكبير الذي لا يستطيعه إلا الكبار في قدراتهم وإمكاناتهم، ومنها ما هو في متناول أيدي الجميع، فالسلام والبشاشة والتبسم، ودلالة الآخرين على الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعانة الرجل في شؤونه، وإعانة المحتاجين، والإيثار في الدخول والخروج والطعام، والتلطف في الكلام والظن الحسن، كل هذا ونحوه يحتاج إلى مبادرة واستثمار، فكم فيها من الأجور العظيمة على مرِّ الأزمان، وكم فيها من المصالح في سلامة صدور الناس بعضهم مع بعض، فهي شمائل عظيمة يحسُن التحلي بها داخل الأسرة وخارجها.