يثير الانتباه قرار المتحف البريطاني إعادة ستة آلاف قطعة تزن نصف طن من آثار حضارات العراق القديمة، كانت بريطانيا قد استعارتها لأغراض البحث العلمي والدراسة قبل مائة عام، أي حين كان عمر الدولة العراقية الحديثة في حدود عامين. يا ترى كم لدى متاحف العالم الأخرى من آثار عراقية متسربة اليها بوسائل مختلفة وما مصيرها؟ وربّما هناك مَن يقول انه لا توجد وثائق تثبت وجود اثار لدى متاحف أخرى، وهذا مجاله الاستقصائي ليس عبر هذه السطور.
المتاحف التي تعرض لمكتشفات من الحضارات القديمة للبشرية هي كنوز في نظر العالم المتقدم. وطالما كانت لا تعني اكثر من حجارة أو مواقع اثرية في السياق العام لبلدنا في خلال قرنين او ثلاثة قرون ماضية، يتربص بها منقبون غير ثقاة أو لصوص في للبحث عمّا خف وزنه وغلا ثمنه، لاسيما المصوغات الذهبية والعملات القديمة التي يسهل تهريبها وبيعها عبر الدول.
لا ندري شيئاً عن “حيثيات” الاتفاق في إعادة كنز أثري للعراق، هل كان قراراً بريطانياً طوعياً لانتفاء الحاجة أم انه جاء استجابة لمطالبة عراقية محددة بحسب معلومات عميقة؟ ولماذا لم تطالب حكومات عراقية، ملكية وجمهورية، بهذا الكنز الآثاري والمعرفي من قبل؟ وهل كانت الاعارة التي تمّت قبل مائة عام لقاءَ مقابل مادي كتأجير سلع معينة أم انّ الأوليات غير متاحة للتداول من الطرفين أو من طرف واحد في الأقل. أسئلة عدة يمكن أن تضعنا أمام سؤال أعمق، انه: ما هي حصة العراق من حصيلة الأبحاث التي عمرها كان قرناً هي مدة اعارة القطع الاثرية؟ وهل استعد العراق للتعامل المعرفي والاكاديمي مع المعلومات التي استنبطت من أبحاث المتحف البريطاني على تلك اللقى الثمينة في طور الإعادة؟
وهذا يتطلب التفكير جدياً في عقد اتفاقيات اعارة جديدة لقطع اثارية مكتشفة حديثاً من اجل استحصال معارف مكتسبة جديدة من جامعات عالمية ومتاحف أخرى يهمها المكتشفات الحضارية للعراق القديم، وهذه الإعارة لو توافرت لها الأسباب في التسويق والاتفاق هي استثمار لكنوز عراقية تدر الأموال التي تستحقها، ويمكن الإفادة منها في تطوير المجال البحثي الاثاري.
هذه أسئلة غير نهائية المعلومات، يمكن اثارتها مع جميع البعثات الاثارية التي تعمل في مواقع شتى في العراق، ذلك انَّ المهم لبلدنا اليوم هو «تنمية قاعدة التنقيب الميداني والبحث العلمي والحفظ في المتاحف” ، وهي ثلاثية متلازمة يمكن أن تتحول الى استثمار عالمي كبير، كما تنتفع منه عواصم كبرى كثروة وطنية.
أخلص الى القول انَّ البلد يجب ان ينتقل الى مرحلة تحديد ما هو المطلوب من دول العالم إزاء اثارنا، استناداً الى خطط خاصّة بنا ، وليس استجابة لرؤى الآخرين، التي قد تكون مهمة وذات قيمة، لكنها في النهاية ليست هي كل رؤيتنا