طُرد الموظف الخبير من دائرته بعد أن عاش فيها سنوات لا يذكر عددها، فغادرها ومشيَ في الشوارع حزيناً وفرحاً في آن واحد، بعد ما أدرك أن كل شيء قد تبدل، وأصبح مختلفاً عما كان يعرفه، الموظف واثناء تجوله في شوارع المدينة رأى أشجاراً تركض مرعوبة أسرع من الفهد، كان الفؤوس تطاردها، ام أنها مطلوبة حية أو ميتة من قبل جهة لا ترحم.
بعدها بقليل رأى الموظف كلاباً تأكل لحم أسود حية، والأسود صابرة لا تقاوم، مستسلمة لما حل بها، فلم يتعجب، فالفأر والاسد لا يختلفان في السلوك، وليس لهما إلا الخضوع إذا كانا مقيدين، والأسد ملك في غابته فقط، وحين يرغم على تركها، يرغم أيضاً على التغير، ومن الطبيعي حينها أن يسود الاعتقاد أن الكلب أفضل من الاسود.
ومر الموظف على أنهاراً تسير إلى الوراء محاولة الرجوع إلى ينابيعها، فتأكد من أنها تحاول تقليد الناس الذين يحاولون بإصرار العودة إلى بطون أمهاتهم هرباً من واقعهم المرير، فتخفق محاولاتهم من دون جدوى.
وصادف الموظف رجالاً ونساءً وأطفالاً يضحكون ضحكاً حقيقياً نابعاً من قلوبهم، فلم يصدق ما رأى، وتيقن أنه نائم، وما رآه ليس إلا اضغاث أحلام.
وكان شعب المدينة يتثاءب غير مبالي ببراكين هائجة تثور حوله وتنتظر لحظة افتراسه، والموظف لم ينجح بتحديد نوع تثاؤب شعب المدينة، فمن يستيقظ يتثاءب، ومن يروم النوم يتثاءب، والكسلان والبليد يتثاءب.
لم يدهش الموظف من طيران السلاحف كأنها صقور، فزمان اليوم زمان الطيران والطيارين، وفيه طارت طائرات، وطارت مدن وقرى، وطارت أوطان وأمم.
ورأى الموظف رجالاً ذو عضلات مفتولة يرتعدون رعباً من قطط هزيلة معتقدين أنها تتعاون سراً مع الجهات العليا.
الموظف لم يبالي لسرعة السيارات المارة في الشارع كأنها في حلبة السباق، لكنه فجأة اعترض طريق إحداها حتى ينهي رحلة المدينة بتجربة ما لم يجربه من قبل.