أن الأشكال المعلقة على نصب الحرية أمر محيّر بحق ! فهي أشكال غامضة وإيقونات متباعدة ولا يوجد أي عامل مشترك بينها سوى اشتراكها في أرضية واحدة ، فالبقرة والحصان الموجودان في نهايتي اللوحة هما مخلوقان منحها الله سبحانه الى كل الحضارات منذ الماضي البعيد وتشترك الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها بتربية هذه الأنواع من الحيوانات ولا يحق لأي أمة أن تحتكرها وتعتبرها رمزاً من رموز حضارتها كما جاء في تفسير حضور ذينك المخلوقين في الجدارية ، وقد ظهرت باقي الإيقونات وهي تحمل اللمسة الرمزية السريالية لغموضها هي الأخرى وتتميز بخفاء معناها أمام العيان ويبدو ان الإيقونة الوحيدة المفهومة هي للشخص الذي يحطم القضبان ليخرج إلى فضاء الحرية ويتخلص من الذل والعبودية إلى آخره وكان من المفروض ان يكون هذا النوع من اللوحات الضخمة واقعياً مبني على وضوح المعنى التام لأنه يحكي قصة شعب لفترة زمنية طويلة مليئة بالتراجيديا النابعة من اضطهاد المحتل للشعب وقسوة الحياة وآلامها فراح الشعب يكافح ويناضل ويثور لكي ينال الحرية والتحرر والعيش الرغيد … كان من المفروض أيضاً أن يتم تكريس هذه الأحداث عن طريق الترابط التشكيلي المتداخل في شخوص القضية وليس بهذا الشكل المتباعد الذي جائنا بها الفنان جواد سليم ( رحمه الله ) فهو يعبر بأيقوناته الغامضة المتباعدة عن نوع السلوك الفني في الفكر التجريبي الذي كان يسيطر على مشاعره وكيفية قرائته للأحداث وترجمتها عملياً حسب فلسفة منظوره العاطفي للموضوع… يقولون في الشعر ( ان المعنى في قلب الشاعر ) فمات الرجل ( رحمه الله ) وذهب معه السر الذي كان يحمله عن معنى اللوحة الى الأبد .. إننا بحاجة الى مترجم يقف تحت الجدارية يحكي للزائرين والسواح الوافدين في كل مرة عن معنى ومقصد كل إيقونة في هذه اللوحة وماذا تعني وفق التفسير الذي جاؤنا به المحفوظ في الأرشيف لدى وزارة الثقافة او لدى نقابة الفنانيين التشكيليين ، وهل هذا معقول ؟ فلاينطبق عليها اي صنف من صنوف الفن التشكيلي من انطباعية او تجريدية او واقعية … ان جميع التماثيل في دول العالم القائمة في متاحفها وساحات مدنها وطرقاتها وعلى سواحلها هي من النوع الواقعي الذي يحكي قصة المدينة او قصة حدث ما بشكلٍ يثير الدهشة ورغبة المشاهد الى الإطالة في تأمل النتاج وتصوير جنباته وما يحويه من روعة الإبداع وصراحة تخلو من الغموض .. اين خريجي أقسام النحت والتشكيل في معاهد وأكاديمية الفنون الجميلة منذ عشرات السنين الماضية ألم يستطيعوا أن يبتدعوا عمل واقعي يكرس مفهوم النضال والحرية والتحرر بشكل اكثر ترابط وواقعية ! ندعوهم ان يتحدوا ويصمموا جدارية جديدة تعلق في شارع الرشيد او السعدون أو اي منطقة عريقة في بغداد تمثل ماضي العاصمة وحاضرها وهي تحوي تلك الواقعية التي نناشدها , ونحلم بها .
اما فيما يخص علاقة نصب الحرية بمنظمة اليونسكو فاعتقد انها علاقة شكلية لاتمد الى جمال اللوحة ومعناها بصلة فقد درجت ضمن لوائحها بسبب كبر حجمها والمساحة الواسعة التي شغلتها تلك الجدارية فقد اعتبروها اكبر لوحة في الشرق الاوسط تعبر عن ثقافة وتراث الشعوب ليس الا .