مررت بأيام وليال تعسات في اخر ثلاثة اشهر من سنة 2022، اذ واجهت فيها ازمة صحية هي الاصعب في حياتي، ومع انني ادمنت الالم منذ الطفولة حينما كنت مجبرا في كتم اوجاع مبرحة كانت تستمر لأيام عدة في كل مرة اتعرض فيها لكسر في واحد من عظام جسدي الهزيل، فقد كان خوفي من غضبة أبي يدفعني لكتم الأمر، لتبدأ بعد انفضاح امري لحظات العذاب التي تجتاحني وانا استسلم صاغرا للجلوس كعصفور صغير بين يدي رجل ضخم اسمه (ابن جدو)، كان قد ورث صنعة تجبير العظام عن ابيه وجده، وهم من العوائل الطيبة التي كانت تقطن مدينة الرمادي قبل ان يتركوها طلبا للهجرة في عقد التسعينات حالهم حال باقي العوائل المسيحية .
كانت عظامي وانا صغير تبدو كعجينة هشة بين يدي ( ابن جدو) ولا تحتاج سوى لحظات قليلة لإعادة تشكيلها غير انها شكلت لحظات من الرعب خاصة وانها تجري في البيت دونما تخدير ولا مسكنات وما عليً سوى الاستسلام والخنوع والانتظار حتى سماع صوت قرقعة عظامي بعد سحبها بقوة لإعادتها الى سابق عهدها، والرجل لم يكن يتقاضى فلسا واحدا مقابل تعبه وجهوده، وكان بيته بمثابة مشفى خاصا بالكسور يعج بالمصابين!!.
في أزمتي الاخيرة، ومع مرور الساعات الاشد وطأة والممزوجة بمرارة خيبتي من بعض الناس غير انها أسقطت اقنعة عن وجوه، وفضحت نيات، وابانت اسارير، واكتشفت كم كنت مغفلا وساذجا في حساباتي، غير ان ما خفف عني الاوقات العصيبة المؤلمة هو ما وجدته من اهتمام من الكثير من الناس الذين لم أكن اتوقع منهم كل هذا المعروف، ورأيت أن من الواجب الاخلاقي أن أشير الى اصحاب الفضل مع اهمال كل الاسماء التي كانت سببا في تلك النكسات والتي ادت في النهاية الى اصابتي بأكثر من علة في احشائي !!.
اسباب العافية
الحمد لله اولا وآخرا الذي مدني بأسباب العافية ، وهيأ لي ثلة من الاطباء الذين ما ان لامست اياديهم الرقيقة موضع الألم في جسدي حتى التأمت جروحي واختفت اسقامي واصابتني العافية، ولابد لي من تقديم عظيم امتناني الى العناوين الانسانية الكبيرة في سماء الطب، وبسبب وجود اكثر من معضلة مرضية في جسدي فقد تطلب الامر تدخل اطباء الاشعة والسونار، والباطنية والجهاز الهضمي والكلى، واطباء الاورام والزرع النسيجي، والذين لم يبخلوا معي في التشخيص ومتابعة حالتي والاتصال بي بشكل مستمر ويومي حتى اكتسابي الشفاء التام، وقد قيل ان للشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان، ومكافاة اليد، وبما انني مفلس فليس لي الا ضميري الذي يحتم علي ان اسخر كلماتي التي لو اجتمعت كلها فلن توفي جميل صنيعهم معي، الف شكر للأخوة والاصدقاء من الاطباء الاستشاريين مع حفظ الالقاب: الرقيقان الوديعان لبيب قيس وايهاب حازم، والراقون السامون ياسين مجيد وسامي العبيدي وعامر جهاد، والمتميزون خلقا واخلاقا زياد حماد وايهاب جاسم العكيدي وضياء المولى، والمجتهدون المثابرون نبيل مظهر الحديثي وعزة الجليلي وسوزان الحديثي و رافد عزيز، والجراح الخبير المتمكن د.عقيل شاكر والذي أعاد تشكيل أمعائي بعد أن استأصل ورما منها، ولكم تمنيت لو أنه استأصل مع الورم البعض من الذين كانوا ولا زالوا الأكثر خسة ونذالة من الورم نفسه، وللأخوة الاطباء اصحاب المعروف، ومعهم كل من رافقني ووقف معي في شدتي، ولروح الراحل ( ابن جدو) أهدي لهم جميعا ابيات الشاعر حافظ ابراهيم :
شكرت جميل صنعكم بدمعي … ودمع العين مقياس الشعور
لأول مرة قد ذاق جفني … على ما ذاقه دمع السرور