قبل أن أتناول موضوع المقال لابد لي من التنويه إلى جانبين أساسيين:
الأول: إن الطرح لا يأتي في إطار الرؤية الدينية لحياة الإنسان والشعوب.
الثاني: ان ما سيرد في المقال من حديث انما يصح في التعامل معه في اطار شعب لدولة معرفة بحدودها السياسية، أو في اطار شعب أو أمة تتجاوز حدود دولها السياسية الموضوعة.
كنت في أوقات كثيرة أتصارع فكرياً مع اهداف رفعتها بعض الأحزاب والقيادات السياسية وهي تروج عن برامجها النهضوية منطلقة مما تراه في حاجات شعوبها وما يجذبها للانتماء اليها أو دعمها أو التعاطف معها. وحيث أنها جميعاً لم تخرج في اهدافها وشعاراتها وبرامجها عن آماني: الوحدة والحرية والاشتراكية والعدالة والمساواة الاجتماعية والكرامة والنهضة الاقتصادية والاجتماعية وتأكيد دورها ووجودها الإنساني سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، رحت كلاعب الشطرنج أرتب تلك الاهداف في أسبقياتها وترابطاتها، وهو ما تقوم عليه أغلب الفوارق السياسية وحتى المناورات، ناهيك عن اختلاف أساليبها وسجايا قياداتها. كما أنني أعترف بأني كنت قد انتهيت في الأوقات المختلفة الى ترتيبات مختلفة كذلك لتلك الأهداف سواء في أهميتها أو تسلسلها.
انتهيت اليوم من قراءة متأخرة لكتاب: الحصار، انتبه.. انتبه… فقد تكون ضمن اطار اللعبة”، لمناضل سياسي عراقي عروبي هو: اياد سعيد ثابت، الذي بدأ حياته السياسية بعثياً ثم أصبح ناصرياً. ولست في معرض نقد الكتاب أو الترويج لما جاء به من أفكار وتحليلات، والذي كان قد انتهى الكاتب من كتابته عام ١٩٧٥ ونشر عام ١٩٨٣ عن دار نشر لم يرد اسمها في الكتاب الذي كان ممنوعاً في كثير من البلدان العربية بما فيها العراق، لكنه ذكرني ودفعني للتفكر والحديث ثانية وثالثة حول أولويات أهداف نضال الشعوب وأشكالها.
لقد كان حزب البعث قد رفع شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وحدد اهداف نضاله وبترتيبها: الوحدة والحرية والاشتراكية. من هنا فان هذا الشعار يعبر عن هوية قوميته العربية التي يقر فيها بوحدة “الشعوب” في أمتهم العربية الواحدة، وأن ما تعيشه تلك “الشعوب” في دولها الحالية إنما هي حال مؤقته وحدود مصطنعة. في حين جاء منهاجها النضالي لتحقيق هدف الوحدة العربية باعتباره أساس تحقق حريتها وعدالتها الاجتماعية الاشتراكية.
كما جاءت تلك الأهداف في الفكر الوحدوي الناصري في سياق الترتيب التالي: الحرية والاشتراكية والوحدة. وفي مراجعة لما اختلفت فيه أنا شخصياً في تحديد اولويات تلك الأهداف، والتي لا ينبغي انكار أو تجاهل دقة مفاهيمها عند الأطراف المختلفة كذلك، أجدني اليوم بحاجة الى التوضيح والتذكير بما هو مثالي ونظري، وبما هو واقعي وعملي، ناهيك عن تغير الثوابت وتطور المتغيرات في الحياة. كلنا نعيش الحياة يومياً في واقعيتها ونشهد صراع المثالي ضد الواقعي، والنظري ضد العملي في أحيان كثيرة. نشهد السياسة والنفاق الدولي، ونشهد تضارب القيم مع المصالح سواء على المستوى الفردي أو الجمعي أو الدولي. لم يعد عيباً أو شيئاً من المحرمات أن يدعي رئيس دولة عظمى أو سياسي ما من التصريح بأن مصالح شعبه تقتضي البراغماتية على حساب القيم والمثل الإنسانية! وهكذا نشهد كذلك هيمنة وظلم وطغيان واستغلال ونهب الأقوياء للضعفاء!
من هنا اخترت عنوان مقالي:
عندما لا تكون قوياً لن تستطيع أن تعيش حراً!
بيد أن الموضوع لا يكون بذلك قد انتهى وإنما قد بدأ! فكيف يمكنك أن تكون قوياً؟!
اذا لا تتمكن من الوحدة فعليك ان لا تقف في طريقها ولا تتقاطع معها.
واذا لم تشعر بالمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وأحسست أنك لست مستعداً للتضحية والعطاء والإبداع فعليك تذكر فضيلة التضحية والايثار. وأعلم أن لا كرامة لك دون حريتك التي تمنحك معنى الحياة!
برلين،