كنت أتوقع ان تولي وزارات الثقافة والاعلام وما يعادلها والبرلمانات في الدول العربية اهتماماً حقيقياً كبيراً بأول مؤتمر دولي تنظمه اليونسكو في باريس عن خطاب الكراهية الذي يجتاح منصات شبكات الانترنت مع غزو المعلومات المضللة، ويتحدث فيه رؤساء دول وخبراء على مستوى رفيع. هناك تمثيل عربي ضعيف ولا يتناسب مع واقع وجود الحواضن الكبيرة للحض على الكراهية في كثير من البلدان العربية، ربما كانت أجهزة او سياسيون متورطين بها بشكل من الاشكال. وشهد العراق، تصريحات سياسية وبرلمانية طوال العقدين الأخيرين تصب في مجاري الكراهية، كما انّ المحتويات الطائفية الهابطة لا تزال سيدة المنصات المختلفة الناطقة بالعربية، من دون أن يتم التصدي المنظم والقانوني لذلك، حتى بدأت حملة في الأيام القليلة الماضية بالعراق استهدفت نقاطا بسيطة لمحتويات هزيلة وتسيء للذوق العام وتكشف ضحالة واضحة في الوعي ولكنها ليست عنيفة أو هدامة أو تشجع على الاضطهاد وإلغاء الاخر أو تكفيره أو اجتثاثه في المجتمع.
ما يجري الحديث عنه في مؤتمر اليونسكو حول تضليل المعلومات له جذور عميقة لدى الدول، ومنها الكبرى كما فعلت دوائر أمريكية ودولية كبيرة في بث معلومات مضللة وكاذبة بشأن أسلحة الدمار الشامل رسخت قناعات مزيفة لدى دول أخرى وقادت الى حرب احتلال العراق قبل عشرين سنة، وكانت شبكات الانترنت وأجهزة الاعلام من الوسائل الناجعة في تنفيذ نشر أكاذيب قبل نشر جيوش غازية، وقد تكشف لاحقاً عبر اعترافات رسمية وتحقيقات قانونية كيف وقعت الخديعة العالمية الكبرى . اليوم تخشى الدول العملاقة ذاتها من ممارسة جهات ومنظمات وشخصيات نافذة الأسلوبَ نفسه في نشر قصص مضللة في الاعلام تنسف برامج التلقيح ضد الفيروسات او تزعزع الثقة بالحكومات عند وقوع الزلازل او الفيضانات استنادا الى خطط معدة لدواعي البلبلة والتشويش والفوضى والانتقام ايضاً.
أمّا موضوع خطاب الكراهية فلا علاج له إلا بسن قوانين واضحة تجرم التحريض من كل انواعه وتوجب الملاحقة القانونية على مرتكبي هذا الجرم بين الدول حتى لا يكون لهؤلاء المجرمين أي سقف يحتمون تحته. وأول المعنيين بخطاب الكراهية هم دعاة الطائفية الذين قد يجدون لهم ُمتنفساً من جديد في العراق الذي عانى كثيراً من هذه الآفة، ولابدّ من تشريعات ضد الطائفية لها حدود واضحة، بشرط ألا يتم الخلط بينها وبين حرية الرأي في السياسة والمجتمع.