يقول نجيب محفوظ: (لا دائم إلا الحركة، هي الألم والسرور، عندما تخضر من جديد الورقة، تمحى من الذاكرة سفعة البرد وجلجلة الشتاء).
إلا أن حركة الأرض أربعين ثانية فقط تسببت في آلام وأضرار أكبر من أن يستوعبها الفلاسفة والمفكرين أنفسهم .
حتى وان اختلف المعنى الذي أراده محفوظ من لفظ الحركة إلا أن الألم وحده هو ما خلفته هذه الحركة التي تسبب بها زلزال شباط في سوريا وتركيا .
ولا أعتقد أنها سوف تمحى من الذاكرة سفعة البرد وجلجلة الشتاء للقابعين تحت الأنقاض لأيام طويلة.
بين ألم البرد وألم الفقد والإصابات كان قول محمود درويش حاضرا مع فارق في الزمن حين قال: (أصغي إلى جسدي، وأصدق موهبتي في اكتشاف الألم، فأنادي الطبيب قبيل الوفاة بعشر دقائق، عشر دقائق تكفي لأحيا مصادفة وأخيب ظن العدم .. من أنا لأخيب ظن العدم ؟ من أنا؟)
لقد حاول القابعون تحت الأنقاض تصديق موهبتهم في اكتشاف الألم كما قال درويش، فنادوا فرق وأليات الإنقاذ قبل عشر دقائق وربما قبل عشرة أيام من الموت لكنها لم تأت بسبب نقص الآليات والحصار على سورية .
فمن نحن يا درويش لنخيب ظن الحصار والعقوبات والسياسات التي ساهمت في زلزلة قلوبنا ووجداننا.
وهل كانت عشر دقائق كافية قبل الموت؟! هل كانت عشر سنوات من الحرب في سورية كافية لنخيب ظن العدم؟!
وأي مفهوم للألم سيعانيه الناجون من الموت؟
الألم العضوي أم الألم النفسي، فهم بين جريح أو مصاب من الناحية العضوية وبين فاقد لأحد أفراد أسرته من الناحية النفسية ومنهم من جمع الأمرين معا
وليس هناك أشد ألما من أن تجد ان الله أعطاك فرصة جديدة للحياة حين نجاك من الموت، وتسلبك الظروف هذه الفرصة بسبب عدم توفر الآليات لإخراجك من بين الركام.
إن هذه الهزة وما نتج عنها من هزات ارتدادية في قلوب الأمهات وهي تنتشل جثث اطفالها من تحت الأنقاض كانت كافية لتخيب ظن الإنسانية.
أما آن للعالم أن تكون الإنسانية هي جامعة الأول والمتفوق على كافة الأمور الأخرى ليسارع في التعبير عنها كما فعلت بغداد وأربيل والجزائر وأبو ظبي وباقي العواصم العربية حيال الحزن السوري القابع بين الأنقاض
أما آن للعرب أن يطالبوا برفع الحصار عن سورية كما فعلت اتحادات الكتاب في العراق وفلسطين؟!
وإن من حقنا أن نأمل ألا تكون الكوارث هي السبيل الوحيد الذي يجمعنا ويوحد كلمتنا ومواقفنا.