قد لانأتي بجديد عندما نقول ، أن العسكري إبن بلده ..وبقدر ما في هذه المقولة من وضوح فأن فيها من المعاني والدلالات التي تظهر لنا عند ما نتأمل ونعيد النظر في العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية العسكرية .. فمن دون شك ان العسكري كغيره من أبناء مجتمعه ابن الأعراف والتقاليد والقيم الإجتماعية السائده في ذلك المجتمع والتي تشكل بمجموعها المنظومة الأخلاقية التي يرتكز عليها السلوك الاجتماعي ,ومنذ نشوءه كفرد من أفراد المجتمع تتولد لديه أول حصيلة معرفية يظهر تأثيرها عليه فيما بعد عندما تتكامل شخصيته ويندمج في الحياة العملية .وسلوك الشخصية العسكرية هو حاصل ذلك التمازج بين التربية الإجتماعية وما تفرضه من قيم أخلاقية وبين العسكرية وما تستوجبه من إلتزام بتقاليد وأصول تشكل الأساس لمهنة أضفت عليها خدمة الوطن والشعب طابعاً مقدساً . . يضاف إلى ذلك التمازج مستوى الوعي الناتج عن مراحل الدراسة والاطلاع الذاتي بما يولد حصيلة ثقافية تمكن صاحبها من التعامل مع مختلف المواقف بالطريقة المناسبة .وبناء على ماتقدم يظهر لنا أن سلوك أي فرد في المحيط العسكري يخضع للتفسير وفقاً للعوامل المتقدمة مع الأخذ بنظر الإعتبار مقدار التجربة العملية لهذا الفرد أو ذاك . ونلمس تأثير هذه العوامل في شخصية العسكري من خلال طبيعة العلاقة مع من يمثلون السلطة الاعلى وممن هم أعلى رتبة اذ ان المعايير الاخلاقية والتقاليد العسكرية يجب ان يكون لها حضور فعال في إقامة نوع من العلاقة الإيجابية المثمرة المؤدية الى حصول ذلك التفاعل الانساني الممزوج بإحترام الأوامر وتقديس الواجب والإيمان بأن أي مهمة لكي تنجز على ما يرام لابد أن يؤدي كل فرد دوره المرسوم له إبتداء” من الرئيس الأعلى وإنتهاء بآخر رتبة في المرؤوسين الذين هم تحت إمرته .
وضوح كاف
فإن السياقات العسكرية والأوامر لكي تنفذ على أكمل وجه لابد ان تصل الى المرؤوسين بذلك الوضوح الكافي المقترن بإستحضار معاني الوطنية والتضحية وشرف المهنة بالاضافة الى القيم والمبادئ التي يعتز بها كل فرد مما يشكل دافعاً أساسياً نحو تنفيذ الواجب وهذا هو دور المدراء والآمرين .. اما دور الحلقات الاخرى فهو فهم هذه السياقات والاوامر وتنفيذها بذات الروحيه المشبعه بقيم الرجولة وشرف الانتماء لهذه المهنه المقدسه .ومن الواضح ان العمل في الأجهزة الأمنية بالاضافة الى كونه عملاً عسكرياً , فإنه محكوم بطابع التماس المباشر مع الحياة الاجتماعية , وهذا يتطلب مستوى من الوعي الإجتماعي والثقافي , بما يمكن رجل الشرطة من التعامل الصحيح مع مختلف المواقف التي تبرز من خلال الحياة اليومية . ومن أهم مقومات هذا الوعي إستحضار رجل الشرطة ما أمكنه ذلك لتقاليد المجتمع وأعرافه في اللحظة التي يؤدي فيها واجبه لأن من شأن ذلك أيجاد جو من اسناد المجتمع وانصياع أفراده للقوانين والأنظمة وهذا الانصياع عندما يتولد عن قناعة يعطي نتائج جيدة على مستوى سير الأمور بشكل إعتيادي في الحياة الاجتماعية اليومية, فالقانون قد يفرض بالقوة كما يحدث في كثير من الحالات لكن تطبيق القانون عن قناعة شئ وفرضه بالقوة شئ آخر .حيث أن تطبيق القانون عن قناعة ووعيه بالإمكان ان يستمر مادامت هذه القناعه موجودة , خصوصاً عندما يدرك افراد المجتمع ان من مصلحتهم ايجاد ذلك القانون , اما فرض القانون بالقوة وان كان يؤدي غرضه لكنه محكوم بقاعدة زوال الاثر بزوال المؤثر فما دامت تلك القوة موجودة ومادامت العصا مرفوعة كان هناك قانون وعندما تغيب هذه القوة فأن العشوائية ستحل بدلاً عنه .الأمر الذي ينتج عنه تلك العلاقة المتشنجة التي قد تحدث أحياناً بين رجل الشرطة وأفراد المجتمع , لذا بات من الضروري إيجاد نوع من العلاقة الإيجابية المنفتحة من خلال فهمنا لمتطلبات الجو الاجتماعي الهادئ فأن موقف بالإمكان معالجته بكلمة إحترام طيبة من غير الحكمة أن يعالج بتصرف لايقيم للآخرين وزناً لأن من شأن ذلك أن يثير استياءهم وتبرمهم بل ان المنطق والتصرف المعقول يفرض عدم استخدام القوة إلا بعد استنفاذ الوسائل البديله الاخرى .ان التواصل الايجابي لرجل الشرطة مع افراد المجتمع يضيف الى مهمته الاساسيه وهي حفظ القانون والنظام مهمة اخرى وهي إشاعة الوعي القانوني بين افراد المجتمع من خلال ذلك التواصل , وكلما ازداد هذا الوعي فمن المؤكد ان مهمة رجل الشرطة ستكون مهمة سهله لما يتوفر لها من الاسناد الاجتماعي .فالعسكري كما تقدم ابن هذا المجتمع فلا بد ان يكون ابناً باراً لمجتمعه ولن يكون كذلك إلا اذا ادرك ماذا تعني قيَم العسكرية وعرف ان الاخلاق والتقاليد الاجتماعية والتحصيل الثقافي اركان اساسية في تكامل اي شخصية . والله الموفق