في ثمانينيات القرن المنصرم زار بغداد الصحفي المصري الشهير كمال الملّاخ، نائب رئيس تحرير صحيفة “الأهرام” المصريَّة، وقد رافقته في تجواله ومشاويره المهنيَّة في تلك الزيارة،لاعتبارين، أحدهما شخصي، إذ كانت تربطني بالرجل صداقة نشأت منذ العام 1976 عند زياراتي المهنيَّة إلى القاهرة، والاعتبار الثاني كوني عضواً في مجلس نقابة الصحفيين العراقيين آنذاك، والضيف له صفة نقابيَّة في بلده.
وما علق في ذهني من تلك الزيارة، طلب الصديق “الملّاخ” تأمين رغبتين شخصيتين له، هما زيارة المسكن الذي ترعرع فيه “جواد سليم”، والالتقاء ببعض معارفه والأماكن المحبّبة إليه في بغداد والمشغل الذي كان يعمل فيه.. وقد لبيتُ الجزء الأكبر من هذه الرغبة، فيما فشلت في تلبية الرغبة الثانية رغم بساطتها وسهولتها.. لقد رغب بلقاء الصديق التشكيلي “شوكت الربيعي” لكن الربيعي ذاب في ذلك الحين ولم أتمكن من العثور عليه، حيث زرنا محل سكن الربيعي في حي “الإعلام” بكرخ بغداد أكثر من مرة، وبحثنا عنه في نادي اتحاد الأدباء وفي جمعية التشكيليين العراقيين وفي كل الأماكن المتوقعة، ولا من مغيث!.
وكنت في أثناء التجوال بسيارتي، أسأل الضيف عن سبب رغبته الملحة بلقاء “الربيعي” فكان جوابه، إنَّ “شوكت الربيعي” فنان كبير وأسلوبه متفرّد، وموضوعاته غاية في الرقي وهو احد أهم أعمدة فن التشكيل العربي وربما العالمي و.. و، فاستوقفتُ الضيف لأقول إنّ هذه الرؤية لشوكت الربيعي لم تخطر على بالي، ربما لأنَّ الشخص الذي تلتقيه دوماً يفقد من قيمة الألق الذي فيه، فيما يستشعره غيرك ممن يعرفه عن بعد.. وقد أيّد قولي، لكنه قال لي: ألا تعرف أنني فنان تشكيلي أيضا وناقد فني والصفحة الأخيرة في “الأهرام” التي أشرف عليها، لها بصمة بارزة في متابعة هذا الفن.. فاعتذرت، إذ سبق أن لمستُ اهتمامه بالفن التشكيلي من خلال اللوحات الكثيرة التي زيّنت مكتبه في الصحيفة، وفي دعواته لي لزيارة المعارض التشكيلية المقامة في القاهرة أثناء ترددي على مصر.
ومنذ تلك الزيارة، تجذّر اهتمامي بالتشكيلي “شوكت الربيعي” فلم أعد أنظر إليه مجرد صديق، أو كاتب أنشر له في الصحيفة التي أعمل فيها موضوعاً أدبيَّاً أو نقداً فنيَّاً، بين مدة وأخرى… لقد جعلت عيني وإحساسي نافذة أطلُّ منها على أعمال هذا الصديق الذي شغل قامة نقديَّة عربيَّة هي كمال الملّاخ (طيب الله ثراه، توفي سنة 1987)، فكان ذلك الانعطاف في رؤياي، مهماً في متابعة نشاط أخي “الربيعي” في داخل الوطن وحتى خروجه منه.. وهو نشاط أخذ حيزه المديد حتى أن مقر الجامعة العربية في القاهرة ضمَّ أحد أعماله وقد شاهدتُ ذلك العمل شخصياً في القاعة الكبرى للجامعة.. وفي تونس شاهدت له أكثر من عمل لدى أصدقائي هناك، والحال نفسه في بيروت وعمان ودمشق وفي دول العالم الأخرى.
أين أنت فناننا الكبير…؟
—————————————

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *