يعد اعلان عودة العلاقات الايرانية السعودية انتصاراً كبيراً للدبلوماسية الصينية في الشرق الاوسط ، فقد دأبت سياسات الدول الغربية ان تكون على جانب واحد في الخليج اما مع العرب او مع ايران ، إلا ان الصينيين ارادوا كسر القاعدة ليكونوا مع الجانبين معاً .
ونجحت الصين في ملأ الفراغ الامريكي في ايران ، ونجحت كذلك في استثمار علاقتها الاقتصادية مع السعودية ، وتحقق لها ما ارادت ، لذا اعتبر الخبير السياسي المتخصص في سياسة الصين تجاه دول الخليج جوناثان فولتون أن الاتفاق يعد بمثابة أول غزوة رئيسة للصين في الدبلوماسية الإقليمية.
ومنذ مدة اشارت الصين الى رؤية جديدة في الشرق الاوسط لا ترتبط بالولايات المتحدة ، هذه الرؤية تستند على الشراكات الاستراتيجية المعتمدة على رأس المال الدبلوماسي ، فقد عقدت الصين شراكات اقتصادية عملاقة مع ايران والسعودية وبقية دول الخليج ، ونفذت بكين من باب هذه الشراكات لتكون لاعباً دبلوماسياً مؤثراً في الشرق الاوسط ، وكانت دوما تعلن ان دورها اقتصادي بحت وتريد بناء علاقات اقتصادية ولا تسعى الي دور سياسي في المنطقة ، لكن المشهد يقول ان الصين تحولت من شريك اقتصادي الى لاعب سياسي كبير في منطقة مهمة للغاية في رسم خارطة الطاقة العالمية. لذا يقال ان الاقتصاد لا ينفك عن السياسة فهما يلتقيان في كثير من المحطات .
فقد زار الرئيس الصيني الرياض في ديسمبر الماضي وعقد صفقات كبيرة مع الرياض ، كما زار الرئيس الايراني بكين في الشهر الماضي واكد على الشراكة الصينية الايرانية ، وتوجت هذه الزيارات والحركة الدبلوماسية باعلان التهدئة وعودة العلاقات بين دولتين كبيرتين لهما تأثير في امن واستقرار الخليج ، كما رسخت الدور السياسي للصين وفتحت الباب على عالم متعدد الاقطاب وهذا ما تسعى له روسيا والصين في كسر نظرية القطب الاوحد ، وأول الغيث قطرة ثم ينهمر .
وستكون هناك انعكاسات كبيرة لهذه الخطوة على دول المنطقة التي عانت من الصراع الايراني السعودي لسنوات طويلة ، كالعراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين .
وفي ذات الوقت ستفتح ابواب هذه الدول للتنين الصيني ليستمتع بالدفء الخليجي على الجانبين .
الصين بهذا الاتفاق قدمت نفسها كلاعب دبلوماسي من العيار الثقيل وصانعة سلام ، تتمتع بصدقية كبيرة، وربما سنجدها بعد هذا الاتفاق في اليمن وسوريا واماكن اخرى، وهذا ما يهدد الوجود الامريكي في الشرق الاوسط، وربما ما يتوقعه المحللون الامريكان سيكون في محله ، اذ قالوا الولايات المتحدة اخطأت حينما اعتبرت التنافس بينها وبين الصين ينحصر في المحيطين الهادي والهندي . معتقدين ان منطقة الخليج مغلقة للامريكان . عن6
ان اعلان عودة العلاقات بين قطبي النزاع الخليجي سيعود بالفائدة على الطرفين ، فهو ينزع فتيل التوتر من جهة ويمنح الدولتين مزيد من الاسترخاء في تنفيذ اجنداتها المستقبلية ، فالسعودية التي تريد ان تستغل مواردها المالية في رسم خارطة اقتصادية جديدة في الشرق الاوسط ، كما صرح بذلك ولي العهد الامير محمد بن سلمان ، حينما تحدث عن امكانية دول المنطقة لان تكون في مقدمة دول العالم ، والوجهة الاكثر جذباً للاستثمارات والسياحة والصناعة ، وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بالاستقرار ، فمشروع نيوم والرؤية السعودية الاقتصادية المستقبلية تحتاج الى امن مشترك، وهذا ما حققته الوساطة الصينية .
من جانب اخر فان ايران تسعى الى استقرار وضعها الداخلي وان تنزع عن كاهلها بعض الثقل الاقتصادي الذي تعاني منه، جراء العقوبات الامريكية ، فقد تحدثت الاخبار ان اعلان عودة العلاقات بين طهران والرياض ، رفع قيمة العملة الايرانية بمستويات كبيرة.
ناهيك عما ستحدثه في ساحات اخرى .
وفيما يخص انعكاس التقارب على العراق ، بالتأكيد ستكون هناك حالة من الاستقرار وانخفاض كبير في حجم الهجمات على القوات الامريكية ، و ستمنح الحكومة العراقية مساحة في التعامل مع الطرفين باريحية كبيرة ، فالعراق ومند زمن سعى لهذا التقارب لايمانه العميق بانه سيؤثر في تطوره وامنه واستقراره ، لذا جاء البيان السعودي بالشكر للعراق على دوره واحتضانه لجولات الحوار بين الطرفين .
من ناحية اخرى فان اسرائيل التي حاولت عرقلة الاتفاق وخلط الاوراق ، واستبقت الاعلان عن التقارب الايراني السعودي بضرب مطار حلب ودير الزور ، مع اعلان صحيفة اسرائيلية عن محادثات سعودية اسرائيلية ، تلقت الخبر بدهشة وقلق وتأمل بحسب تعبير صحيفة “نيويورك تايمز”، فقد انهى اعلان التقارب فرصة تل ابيب في تحالف امني عسكري ضد ايران ، فقد فوتت ايران الفرصة على الدولة العبرية في استغلال الخصومة بينها وبين الرياض ، كما اصبحت تل ابيب في قلق حيال البرنامج النووي الايراني، خصوصاً بعد ترحيب واشنطن بخطوة التقارب السعودي الايراني .
وتخشى اسرائيل بعد هذه الاعلان من استئناف المفاوضات النووية بين امريكا وايران ، وان تسعى واشنطن الى ارضاء ايران، وتذهب احلامها بتوجيه ضربة عسكرية لايران ادراج الرياح .
الغزوة الدبلوماسية الصينية الناجحة في الشرق الاوسط وضعت اسس جديدة في الواقع السياسي في الشرق الاوسط ، كما انها وجهت الانظار الى الصين في حل المشكلات العويصة والمعقدة في كثير من المناطق التي تمتلك الصين فيها نفوذاً اقتصادياً .

ولابد لنا ان نقول ان خطوة التقارب. بين ضفتي الخليج ورغم ترحيب الجميع بها وتفاؤل الاطراف الداعمة للطرفين فانها في البداية، تحتاج الى النوايا الحقيقية للدولتين في تحقيق الامن والاستقرار، .
فكلا الدولتين تحتاجان الى الاستقرار وان عقوداً من القطيعة لم تأتي على شعوب ودول المنطقة الا بالدمار والتخلف ، وتعطيل القدرات الخيرية .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *